لا شك أن توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، والرامية إلى وضع خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام الوطنى، بما يواكب متطلبات العصر والحداثة، في ظل المتغيرات والمستجدات، تعبير حقيقى، وتجسيد حيّ لوجود إرادة سياسية قوية تدفع نحو بناء جيل من الإعلام قادر على المواجهة، وقادر على قيادة الرأي العام للطريق الصحيح، والأهم قادر على بناء وعى المواطن، وصون هويته الوطنية، كأحد أهم ركائز الأمن القومي المصرى.
لذلك، إن التوجه لإعادة صياغة المشهد الإعلامي، وتحويله إلى قوة ناعمة تحمي الداخل، وتبني لمصر صورة مشرفة، أمر مُقدر، ويجب استثماره جيدا من خلال وضع استراتيجية جديدة للإعلام تعالج المشهد الإعلامى، وتعمل على ضبطه بشكل يراعى المصالح الوطنية، ويدافع عن أمنها القومى، ويُعبر عن رسالتها وتوجهاتها، ويحصنها من خطورة الآفات الإعلامية والأمراض المجتمعية والعالمية.
وأعتقد، أن البداية، تبدأ، بالتوجه الحازم نحو ضبط المنظومة القيمية في الإعلام ووضع ميثاق إعلامى عصرى، أي إعلام يُراعى المهنية انطلاقا من الحفاظ على القيم المجتمعية والأخلاقية، وهذا لم ولن يتحقق إلا بتغيير المفاهيم الإعلامية الحالية القائمة على "الربح والخسارة" وعلى ما يسمى بالترند ونسب المشاهدة، كعوامل مُستهدفة، لأن هذا هو "الفخ" الذى نقع فيه ويقع فيها إعلامنا منذ 2011، بل أزيد فى القول بأنه هو "الطُعم" الذى يتم اصطيادنا به، فكم من منتديات ومؤتمرات وجوائز مُنحت لإعلاميين واستضافت ما يُطلق عليهم مُذيعين وصحفيين فقط لأنهم يجيدون صناعة الترند، والتفاهة، دون النظر إلى المحتوى وطبيعته، حتى ولو كانوا من مشترى الهواء، لذلك وجود صياغة جديدة في ظل استراتيجية شاملة للإعلام، قطعا تحمى المجتمع من هذه الفخاخ، وتحافظ على المنظومة القيمية من الانهيار، وتمنح صانع القرار سندا يتكأ إليه في ظل أي تحدٍ، فلا ننسى أن العمود الفقرى للجبهة الداخلية هو الإعلام، لأنه هو من يصنع وعيا حقيقيا أو يؤدى إلى تفكك المجتمع.
وهذا، يتطلب:
أولا
: لابد من هيئة استشارية، تُشكل لجان من المتخصصين في كل المؤسسات الإعلامية والتوعوية، لـ"غربلة" المشهد الإعلامى جيدا، وتفحيصه وتمحيصه، والتزود بكل المعرفة، وبحجم المعلومات الواردة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والمؤثرة على أمن واستقرار المجتمع، لتصل إلى قاعدة بيانات ومعلومات وتحليلات واضحة.
ثانيا
: هذه اللجان المُتخصصة، دورها الأساسى متابعة التطورات السريعة في المجال الإعلامي عالمياً وإقليميا، للمواكبة ولمتابعة البيئة الدولية، للوصول إلى ورقة أو تصور نهائي للمطلوب فعله، وذلك للانتقال إلى مرحلة أخرى، تبدأ بتدريب كوادر إعلامية متخصصة في المجال السياسي والأمني والمجتمعى، على مفهوم الأمن القومى، والتحلى بأدوات التوعية الحقيقية وصورها المختلفة، وذلك بالاستعانة بخبراء ومتخصصين عالميين في هذا المجال، مع ضرورة التوسع في البنية التحتية للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، لمواكبة التطور الحالي ومواجهه الإعلام المعادي.
إذن
، المستهدف الحقيقى لهذه الاستراتيجية هو خلق جيل جديد من الإعلاميين على دراية بحقيقة مفهوم الأمن القومي، والحفاظ على مصالح الدولة، والدراية بما يُحاك ضد الدولة المصرية من حروب جديدة، والعلم بكل أدواتها للتعامل معها، مع استكمال منظومة التشريعات والقوانين اللازمة لمواكبة التغيرات التكنولوجية بشكل عام، حتى تتمكن الدولة من مواجهة تأثيرات تقنيات وتطبيقات التطور التكنولوجي السريع في المجال الإعلامي.