يحتل كل من العسل الأسود والعسل الأبيض مكانة بارزة في الغذاء اليومي، لكن المفارقة أن الاختلاف بينهما لا يقتصر على اللون أو الطعم، بل يمتد ليشمل قيمًا غذائية متباينة قد تُغيّر اختيارك تمامًا. فبينما يعتمد العسل الأبيض على رحيق الأزهار، يأتي العسل الأسود من عصارة قصب السكر بعد تركيزها، وهو ما يجعل التركيب الكيميائي لكل منهما فريدًا وله تأثيرات صحية مختلفة.
وفقًا لتقرير نشره موقع FoodStruct، فإن مقارنة المادتين تكشف تباينًا كبيرًا في محتوى المعادن والفيتامينات وقدرتهما على دعم صحة القلب والدم والجهاز المناعي، ما يوضح ضرورة اختيار النوع المناسب وفق الاحتياجات الصحية لكل شخص.
اختلاف المنشأ يحدد القوة الغذائية
العسل الأبيض منتج طبيعي يصنعه النحل بعد جمع الرحيق وتحويله إلى مركب غني بالكربوهيدرات السريعة الامتصاص، إضافة إلى مضادات أكسدة ذات تأثير ملحوظ في مواجهة الالتهابات. في المقابل، يُستخلص العسل الأسود من عصير القصب أو البنجر بعد تركيزه على مراحل، ما يؤدي إلى تراكم نسبة كبيرة من المعادن الثقيلة مثل الحديد والمغنيسيوم والكالسيوم، وهو السبب الأساسي وراء شهرته كأحد أهم مصادر الحديد الطبيعية.
الفيتامينات: تفوق واضح للعسل الأسود
يحتوي العسل الأسود على مجموعة واسعة من فيتامينات ب، خاصة ب1 وب3 وب5 وب6، وهي عناصر أساسية لعمل الجهاز العصبي وتحسين إنتاج الطاقة. ويعرض التقرير أن تركيز هذه الفيتامينات قد يكون أعلى عشرات المرات مقارنة بالعسل الأبيض. ورغم افتقار العسل الأسود لفيتامين ج، فإن العسل الأبيض يتفرّد بوجود هذا الفيتامين إضافة إلى حمض الفوليك، ما يجعله عنصرًا مساعدًا لدعم المناعة والوقاية من الأنيميا.
المعادن: قوة العسل الأسود في ذروتها
المعادن تمثل نقطة التفوق الكبرى للعسل الأسود؛ إذ يحتوي على كميات هائلة من الحديد والبوتاسيوم والمغنيسيوم والنحاس والمنغنيز، بينما يحوي العسل الأبيض نسبًا ضئيلة منها. يوضح خبراء التغذية أن 300 غرام من العسل الأسود توفر احتياجات يومية كاملة تقريبًا من العديد من هذه العناصر، بينما لا تغطي الكمية نفسها من العسل الأبيض سوى أجزاء بسيطة.
تأثيرات كل نوع على القلب
يُشير التقرير إلى أن العسل الأبيض غني بالفلافونويدات، وهي مركبات مضادة للأكسدة لها دور فعال في حماية الشرايين وتقليل أكسدة الدهون. أما العسل الأسود فله تأثير محتمل في رفع مستوى الكوليسترول الجيد، لكن الأدلة الحالية مستمدة من دراسات حيوانية، ما يعني ضرورة الانتظار لدراسات بشرية أكثر دقة تؤكد فائدته القلبية.
الأثر على السكر في الدم
يعتمد تأثير كل نوع على مؤشره الجلايسيمي. العسل الأبيض يملك مؤشرًا أقل، ما يعني أنه يرفع سكر الدم بوتيرة أبطأ مقارنة بالعسل الأسود. ومع ذلك، يحتوي العسل الأبيض على كمية أكبر من السكريات والكربوهيدرات، مما يتطلب الحذر عند استخدامه مع مرضى السكري. أما العسل الأسود فقد تُخفّف مكوناته من ارتفاع الجلوكوز بعد الوجبات عند تناوله بكميات معتدلة، لكن الإفراط فيه قد يُربك توازن السكر لدى المصابين بالمرض.
فقر الدم: لمن تكون الأفضلية؟
توضح الدراسات أن العسل الأبيض قادر على تحسين امتصاص الحديد لدى الأصحاء، وأن العسل الداكن منه يتمتع بقدرة أكبر على رفع مخزون الحديد. ورغم ذلك، فإن العسل الأسود يبقى المصدر الأغنى بالحديد والنحاس اللذين يسهمان في تكوين الهيموجلوبين. لذلك يُستخدم العسل الأسود تقليديًا كداعم غذائي للأنيميا الناتجة عن نقص الحديد.
دور كل منهما في التئام الجروح
يمتلك العسل الأبيض خواصًا قوية مضادة للبكتيريا، وقد أظهرت تجارب مخبرية فعاليته في إيقاف نمو العديد من الميكروبات التي تُسبب عدوى الجروح، متفوقًا على العسل الأسود في هذا الجانب. ويعزى هذا التأثير إلى مركبات مضادة للميكروبات تُنتج طبيعيًا أثناء تصنيع العسل بواسطة النحل.
ماذا عن مقاومة السرطان؟
تشير الأدلة إلى أن العسل الأبيض يمتلك قدرة مضادة للأورام، فضلًا عن تأثيراته المضادة للطفرات والجذور الحرة. وفي المقابل، يتمتع العسل الأسود بقدرة مضاعفة في مقاومة الأكسدة، وهو ما يرفع احتمالية أن يكون له تأثير أقوى ضد تكاثر الخلايا غير الطبيعية، لكن هذه النتائج ما زالت بحاجة إلى تجارب سريرية واسعة قبل اعتمادها بشكل قاطع.
مخاطر وحساسيات يجب الانتباه إليها
قد تحتوي أنواع من العسل الأبيض على آثار من حبوب اللقاح أو بروتينات النحل، ما قد يثير الحساسية لدى بعض الأشخاص، بينما تقل احتمالية حدوث ذلك مع العسل الأسود. ورغم فوائدهما، يبقى كلاهما مصدرًا مركزًا للسكريات، ما يجعل الاعتدال أمرًا ضروريًا لتجنب ارتفاعات سريعة في الغلوكوز.