باسل عادل

فلسفة الانتماء السياسى

الأربعاء، 23 أكتوبر 2024 11:17 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الانتماء للوطن هو مظلة كل الانتماءات السياسية، ومن المعلوم بالضرورة أن كل فصيل سياسى «حزب» ممكن أن يكون له انتماءاته الفكرية داخل إطار الوطنية الجامعة، والانحياز لمصالح الوطن العليا، وداخل كل لون سياسى أو حزب أو تكتل يجب أن تتمترس انتماءات أفراده لصالح لونهم السياسى وأفكاره وأفراده ووحدته والحفاظ على تجانس بنائه.

فلسفه الانتماء جاءت واضحة ومعبرة فى معجم العلوم الاجتماعية، حيث عرف الانتماء بأنه ارتباط الفرد بجماعة، ووجد أن من احتياجات الفرد المهمة الانتماء إلى جماعة قوية يتقمص شخصيتها ويصبح داخلها مثل الأسرة أو الشركة أو النادى الرياضى، الذى تشجعه أو الحزب السياسى أو التكتل السياسى الذى تنتمى إليه، ويتطلب الانتماء الإيمان بالمبادئ المنتمى إليها، لذلك ذهب بعض الدارسين إلى تعريف الانتماء بأنه حالة من التوحد مع الجماعة فى أفكارها ومبادئها وتوجهاتها وأهدافها، وهنا نرى أن الفرد يستند فى وجوده وقوته إلى الجماعة، وذهب آخرون إلى أن الانتماء فى تعريفه هو «مزيج من العناصر الموضوعية والذاتية فى واقع تاريخى اجتماعى محدد»، ويمثل هذا الانتماء العمود الفقرى للجماعة التى لا يستقيم وجودها دونه، وبدونه تفقد الجماعة تماسكها ومن ثم تنهار.

يساهم الانتماء السوى لجماعة واحدة فى تحقيق أهداف عدة، منها تحقيق الرغبات الشخصية والاجتماعية، التى يعجز الفرد عن تحقيقها وهو بمفرده، أيضا الشعور بالانتماء إلى جماعة تتقبله ويتقبلها فيشعر بالأمن والقوة، وقدرته على مواجهة العوالم والتحالفات الآخرى بكل تمكن وصلابة وقوة النظر بعزة ورفعة لكل الجماعات الأخرى والتكتلات على أنها الآخر الذى يمكن أن أتعاون معه ولكن لا أذوب فيه!! ومن هنا نستطيع أن نحصل على وسط سياسى فعال وديناميكى لا يتماهى، ولكنه يتكامل ويعضد بعضه بعضا، بل ويتنافس لكى يحصل الوطن على أفضل النتائج وأخلص الهمم للصالح العام.

إن خريطة التمدد الحزبى فى مصر على مر الزمان والحقب السياسية المختلفة، تأتى مرآة واضحة لضحالة الانتماء السياسى، إلى أن وصلنا إلى أكثر من مائة حزب أكثرها يعتبر من «الحركات الواقفة» ولا تلحظ أى تمايز لأغلبهم فى انتمائهم السياسى، سواء فكريا أو عضويا، تعتلى مقراتهم أسماء مختلفة ولكنها لنفس المنتج!! ومن هنا تستطيع أن تلحظ حركة ميكانيكية غاية فى الغرابة، وهى انتقال الأعضاء وتدويرهم من حزب لآخر، ومن تحالف لتكتل مثل إعادة تدوير زيوت الماكينة فى أكثر من ماكينة أخرى، وننتظر ليونة مختلفة أو أداء أكثر فاعلية للماكينات المتشابهة!! لقد غاب الانتماء فغابت الفاعلية.

إن أصحاب خطة «السير للأمام» يجب أن يستوعبوا وحدة القافلة، وعدم تشتتها، بناء الأوطان عمل مجهد وشاق، يحتاج إلى أحزاب ومجموعات سياسية ذات رؤى موحدة، تستطيع أن توحد أفكارها وتؤمن بها وتصمد لتطبيقها، لتحقيق غايات الشعب ومتطلباته، كما أن عملية بناء الثقة بين رؤساء وقادة الأحزاب وأعضائها تتطلب أيضا مزيدا من الجهد والطمأنة لمستقبل وطموحات كل الأعضاء، وتفعيلهم داخل المنظومة الحزبية، وهذا يتطلب «أعضاء لمدة طويلة» أو أعضاء «معمرة» موثوق فى ولائها وانتمائها للمكان.

حقا من أدبيات العمل السياسى بناء التحالفات المنظمة وعدم الركود والركون لمربع واحد، ولكن بناء التحالفات والشراكات تأتى مركزيا وبصلابة المؤسسة لا بانتقال الأفراد هنا وهناك فى حركة «إلكترونية مكوكية» لا تنتح إلا المزيد من إهدار الوقت وتشتيت المذهب السياسى، كما أنها تهدر تراكم البناء الحزبى الداخلى لكل حزب.

مصر التى أقامت مجلس شورى النواب منذ أكثر من قرن فى 1866 ميلادية، متى تقرر تاريخها «الهجرى» التى تهاجر فيه من جمال الصورة إلى حقيقة المضمون، لقد تأسست الأحزاب فى 1907 ويقول آخرون فى 1879، ولكن يتفق الفريقان على أننا من أعرق الدول الحزبية والدستورية فى المنطقة، ومصر تستحق الكثير من العطاء والعمل على تجربة حزبية سياسية تسمى «ذات الانتماءين» انتماء الحزب للوطن وانتماء أعضائه بصلابة للحزب نفسه.

إن عصر التوافقات الوطنية الكبرى الذى بدأ بإقرار الحوار الوطنى ثم تفعيله ثم تنفيذ مخرجاته قادر على إخراج تجربة حزبية رائدة، تعبر عن إصدار جديد وجاد للحركة الحزبية المصرية الحقيقية الفعالة.

وقد يكون من الواجب إعادة دراسة قانون الأحزاب وتعديله، وفق رؤية مخلصة للوطن وتعدده السياسى الصحى، وتأصيل هوية الأحزاب واستقلالها، وتأمين مصادر تمويلها وحوكمتها الداخلية. إن قيام الأحزاب بالإخطار أو حتى تقيدها تماما لم يعد هو جوهر المشكلة الآن، لأن الواقع بات يعكس أحزابا بلا فاعلية وفاعلية خارج الأحزاب مما يهدد السلم والأمن الاجتماعى، كما أن تفعيل العقد الاجتماعى الأعلى «الدستور» الذى لن يمكن أو يفعل إلا بفعل أحزاب قوية مرتكزة على قواعد راسخة.

إن الانتماء السياسى وأهميته يبزغ فى لحظات الخطر أو الوثوب للأمام، ومصر تمر بنفس اللحظتين معا الآن!!










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة