ربما كان الاهتمام بالشباب على رأس أولويات الدولة المصرية في السنوات الأخيرة، وهو ما تجسد في العديد من الخطوات التي اتخذتها في السنوات الأخيرة، بدء من تنظيم منتدى الشباب، ليتحول بعد ذلك إلى حدث عالمي، طغت على فعالياته "صبغة" اختلطت فيه حالة الحوار، بين عدة قطاعات من الشباب والمبدعين حول العالم، لتبادل الرؤى والخبرات في كافة المجالات، من جانب، بينما لم تخرج عن الإطار الرسمي في ظل حضور طاغى من الزعماء والمسؤولين الدوليين وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، ليصبح الحدث بمثابة "أمم متحدة" شبابية، يمكنها تسطير آليات جديدة وابتكار الأساليب التي يمكن من خلالها التعامل مع أزمات غير تقليدية باتت تهيمن على العالم، إثر حالة من عدم القدرة على مواكبتها بالأساليب القديمة التي سبق استخدامها في إدارة الصراعات التقليدية لسنوات ماضية.
ولعل الاهتمام المصري بالشباب لم يقتصر بأى حال من الأحوال على منتدى شرم الشيخ، وإنما يبدو وأنه بات يتخذ منحى أكثر توسعا في المرحلة المقبلة، عبر تدشين منصات أخرى، عربية وإقليمية، وربما قارية، من شأنها إدماج الشباب في تلك المناطق من العالم وإشراكهم في عملية صناعة القرار، سواء في داخل بلدانهم، أو حتى على المستوى الدولي الأوسع فيما يتعلق بالأزمات التي يشهدها العالم، ناهيك عن تبنى مشروعاتهم الاقتصادية، وعرضها وتعميمها، فى ظل ما تقدمه تلك المشروعات من رؤى يمكنها المساهمة في حل الأزمات الجديدة، وعلى رأسها التغيرات المناخية عبر الاعتماد على مصادر صديقة للبيئة كبدائل للوقود الأحفورى، وهو ما يدعم عمليتى التنمية وفى نفس الوقت يقدم دعما كبيرا للجهود الدولية الرامية إلى تخفيض الانبعاثات الكربونية.
الاهتمام المصري بالشباب على مستوى الإقليم تجلى في أبهى صوره، في دعوة أطلقتها الدولة المصرية، خلال فعاليات "الأسبوع العربي للتنمية المستدامة"، لجامعة الدول العربية، بتدشين منصة للشباب العربي، وهو ما يمثل خطوة جديدة من شأنها خلق ما يمكننا تسميته بـ"ذراع" إقليمي لمنتدى شباب العالم، الذى دشنته مصر قبل سنوات، بحيث يمكن من خلالها ليس فقط تعميم التجارب المصرية، على غرار مساعيها الكبيرة في هذا الإطار، وإنما أيضا ضخ دماء جديدة، تحمل رؤى مبتكرة للتعامل مع التحديات الجديدة، ناهيك عن تأهيل قيادات إقليمية قادرة على صناعة المستقبل في منطقة ربما عانت كثيرا من أزمات متلاحقة، وضعتها على حافة الانهيار لعقود طويلة من الزمن.
التحركات الداعمة للشباب من قبل الدولة المصرية، يمثل في جوهره حالة الاتساق الكبير بين سياسات الداخل، والرؤية الدولية، بالإضافة إلى الإيمان بقدرات الشباب، والسعى لتوظيفها، وهو ما يمثل ضمانة للاستقرار، في ضوء قدراتهم الكبيرة على الابتكار، وطاقتهم غير المتناهية، التي يمكن استخدامها لتحقيق مصالح الدول، مع النظر إلى دروس الماضي القريب، خاصة وأن تهميش هذا القطاع من المجتمعات العربية، قد أسفر عن حالة من الفوضى، عصفت باستقرار الدول، ناهيك عن ازدهار جماعات الإرهاب، التي تمكنت خلال العقد الماضي في غسل أدمغة قطاع كبير منهم، ليكونوا وقودا في معركتهم من أجل السيطرة والحكم في العديد من دول المنطقة.
ويعد الحراك الشبابي، على المستوى الإقليمى تحت مظلة جامعة الدول العربية، بمثابة خطوة جديدة لإضفاء قدرا من الرسمية على الحوار مع الشباب، على المستوى الإقليمي العربي، خاصة بعد النجاح الكبير الذى حظى به هذا النهج في الداخل أولا، ثم بصورته العالمية بعد ذلك، وربما تفتح الباب أمام خطوات مماثلة على مستوى العديد من مناطق العالم، في ظل إمكانية استلهامها لتفعيل دور الشباب بصورة أكبر وصياغة إطار رسمي لدورهم في المستقبل القريب لمواجهة التحديات والأزمات ذات الطبيعة الجديدة والتي تواجه العالم بضراوة، وتمثل تهديدا صارخا للسلم والأمن الدوليين.
وهنا يمكننا القول بأن التحركات المصرية في المرحلة الراهنة تمثل نهجا شاملا متسقا بين الداخل والخارج، وهو ما يمثل امتدادا لحالة من الانسجام التي تتجلى بوضوح في تعظيم دورهم وإشراكهم في دوائر صنع القرار ودعمهم فى الداخل، بينما تسعى للقيام بالدور نفسه على المستوى الإقليمي، لتغيير وجهة المنطقة بأسرها وإضفاء دماء جديدة في عروقها في المرحلة المقبلة، يمكنها المشاركة بفاعلية في تحقيق العديد من الإنجازات واختراق الأزمات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة