عادل القليعى

هل ممكن..... ؟!

السبت، 19 يوليو 2025 02:07 م


فإنه منذ زمن ليس ببعيد كتبت مقالا عنوانه ، "المدينة الفاضلة بين الواقع والخيال"، جسدت فيه ما جال بمخيلتي وما كنت أحلم به لمدينتنا العالمية ، عالمنا الذي نحياه ، ونسجت ذلك من خلال مطالعتي لجمهورية أفلاطون ، ولمدينة الفارابي الفاضلة ، وليتوبيا توماس مور ، وكذلك لمؤلفات الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط ، خصوصا مؤلفاته الأخلاقية ، وكتابه الملهم الذي كان بمثابة مشروع لو تم لتحقق السلام العالمي ، كتابه ، المشروع الدائم للسلام العالمي.

لكنها على ما يبدو كانت أضغاث أحلام نجمت عن مراهقة فكرية ،  أو بمعنى أدق ، مثالية مطلقة كالتي ينسجها الشعراء في أشعارهم ، أو كقصص ألف ليلة وليلة وغيرها التي كانت تصور الحياة وردية وأن الجميع سينعم بالاستقرار والسلام الدائم وأنه لن يسطو أحد على حقوق وممتلكات الآخرين ، ولن تكبل الحريات ويقمع الفكر ، كنت أظن ذلك كذلك ، وأنه ستتحقق جنة الله على الأرض ، التي يؤمن بها المؤمنون أنها ستتحقق في عالم آخر.

وقد تعرض المقال لانتقادات كثيرة بين مؤيد ومعارض ، لا نقد لشخص الكاتب ، وإنما للأفكار التي تناولتها المقالة ، وهناك من وصف المقالة قائلا ، تلك (مراهقة فكرية)، لكن السؤال الذي أطرحه وقد طرحته قديما وسأظل أناضل من أجل أن أجد جوابا عليه ، إذا كان المقال يحمل ما يحمله من فكر مراهق ، فهل أفلاطون والفارابي ، وأوغسطين ، وابن طفيل ، وابن باجه ،  وايمانويل كانط وتوماس مور كانوا مراهقين فكريا ، أم جسدوا حال واقعهم الذي يحيونه محاولين جل جهدهم أن يصنعوا حياة فاضلة لشعوبهم.؟!

أليس من حق العالم بقاراته ، بجمهورياته ، بأقاليمه ، أليس من حق قاطنيه أن ينعموا بالراحة والهدوء والسلم العام..!

أما آن الأوان لقوى الشر أن تندحر وتترك الشجر ينمو ويخضر ، والحجر يزهو ويلمع ويناجي ناحتيه هلموا إلي وأظهروا ما بي من جمال مرمري بنحوتاتكم الرائعة ، أما آن أن تتحقق الإخوة الإنسانية فبدلا من أن يكون الإنسان ذئب لأخيه الإنسان ، يصير أخا لبني جلدته مهما اختلفت ألوانهم ولهجاتهم ومعتقداتهم ، فلا طائفية ، لا عنصرية ، لا طبقية.

أما آن الأوان حتى ننعم بفكر حر راق مستنير تسوده لغة الحوار لا لغة الصراع ، يندرس فيه رسم الأنا العليا ويغلب فيه العقل الجمعي.

نعم سيظل هذا القلم يناضل لا يمل ولن يكل من خطاب العقل ، وخطاب القلب ، فما أجمل خطاب العقل إذا ما استخدمه العقلاء دونما الحمقى والأغبياء ، ما أجمل خطاب العقل إذا لامس القلب وتعانقا ، فإنه بالتأكيد سيحدث ما نصبو إليه .

تحقيق حلم المدينة العالمية التي لا تحدها الحدود ، المدينة الوجودية التي ينعم فيها أهل الفكر مهما اختلفت توجهاتهم الفكرية ، فكثرة الاتجاهات الفكرية يثري الفكر ويكسبه الحيوية والحركية ،  طالما أن ثم تفكير موضوعي يقود لغة الحوار .

بعيدا عن الأصوات الحنجورية وتشبث كل فريق برأيه ، فلابد أن يستمع صاحب الفكر الإسلامي إلى صاحب الفكر الليبرالي ، والشيوعي والماركسي واليساري ، والفكر المسيحي وكذلك الفكر اليهودي ، حتى أصحاب نزعة اللادين ، الملاحدة ، لماذا ننبذهم ، لماذا لا نناقشهم مناقشة موضوعية لعلهم يعودون إلى صوابهم ويعدلوا عن خطئهم.

هذه رسالتي أوجهها لكل شعوب العالم ، ناضلوا من أجل تحقيق حلمكم ، حلم السلام الدائم الذي يضمن لكم حياة رغدة سعيدة ويؤمن مستقبل أولادكم وأحفادكم ، وقفوا خلف قياداتكم ، إذا رأيتموهم أجادوا وأحسنوا فشدوا على أيديهم وادعمهم بكل ما أوتيتم من قوة.

وإن رأيتموهم ضلوا طريق الإصلاح  فقوموهم بالتي هي أحسن من خلال توجيه النصح والإرشاد ، ومن خلال النقد البناء الذي يبني ولا يهدم.

وقفوا خلفهم وبجوارهم ضد أي مؤمرات تدبر بليل للأوطان ، ولا تعطوا آذانكم للمغرضين ، الشامتين الذين لا يرون إلا منتصف الكوب ، أو أولئك الذين أصابهم العشى الليلي ، فراحوا يعيثون فى الأرض فسادا ، جل غرضهم ، إثارة الفوضى فى الأوطان.

من أجل نشر حالات اليأس مستغلين ، حادثة تحدث هنا أو آخرى تحدث هناك ،  حادثة قدرية كانت أو حتى بفعل فاعل ، فهذا ليس شأننا ، فهناك أجهزة أمنية ستكشف ذلك عاجلا أو آجلا.

المهم لا تسمحوا لهؤلاء المغرضين أن يخترقوكم ولا يخترقوا وحدتكم ولا يشقوا صفكم ، وإنما اغلقوا في وجوههم العكرة كل الأبواب.

فيا شعوب العالم خذوا العبرة والعظات من شعب مصر العظيم البطل ، الذي لا يفت من عضده مؤامرة خبيثة دبرت لتفتيت وحدته وللتشكيك في حكومته ، ولزعزعة أمنه واستقراره ، ووحدة جيشه ، ففي وقت الشدائد تظهر المعادن النفيسة .

فهل آتاكم نبأ موقعة عين جالوت ، أم هل أتاكم نبأ حملات الفرنسيس والانجليز والتتار ، والعدوان الثلاثي ،  أليست الأجيال تعي حرب أكتوبر المجيدة ، أليس الجميع يدرك مواقف مصر الثابتة من القضية الفلسطينية.

كما قلت آنفا حادثة هنا ، حريق هناك ، تم بتدبير مدبر أو قدرا أيا كان ، ماذا شاهدتم ، ألم تشاهدوا رجال الإطفاء حتى من كان في راحته هب لنجدة زملائه ولبى نداء الواجب ،  ألم تشاهدوا حتى طلاب كليات الهندسة هبوا للمساعدة.

إنها مصر ، خلية النحل ، التي تعمل تحت مظلة واحدة ، مظلة حب الوطن ، فالجميع يذهب ويبقى الوطن ، وهذا هو السر ، هذه هي كلمة السر المحفورة بأحرف من نور في قلوب كل مصري حر محب لوطنه ، يتوارثه الأجيال ، جيل بعد جيل ، مهما اختلفنا مع بعضنا لكن اختلافنا لا ولن يفسد وحدتنا .

وهذا السر الأعظم الذي يقف خلف بقاءنا صامدين متحدين مهما حاول المتآمرون  تفتيت وحدتنا فلن يفلحوا ، ولا يفلح الساحر حيث أتى.
فيا شعوب العالم ، إذا أردتم تحقيق المعادلة وفك رموزها ، وتحقيق السلام الدائم انظروا إلى مصر واعتبروا.

الكاتب : أستاذ الفلسفة بآداب حلوان




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة