انشغل المسلمون الأوائل بعد النبى محمد، عليه الصلاة والسلام، بإرساء مبادئ الدين، ومن بعد ذلك إرساء مبادئ الدولة، لكن بعد الاتساع الكبير الذى شهده العصر الأموى، بدأت تظهر جوانب أخرى تتعلق بالحضارة والعلوم، ومن ذلك ما قام به عبد الملك بن مروان وما أُطلق عليه "التعريب".
والفكرة تمثلت في أن عبد الملك بن مروان جعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وبالتالي صارت في كل مكان دخله الإسلام هي اللغة الأساسية، وأهمية هذا الأمر أنه جعل من العربية لغة مركزية بما يجعل الناس تفكر بها، ومن وجهة أخرى نرى هذا الأمر يساعد على عملية تراكم المعرفة، والتراكم يعني الحركة للأمام في سبيل العلم.
كما أن عملية التعريب ساعدت على أمر معين يتعلق بأن الجميع صاروا قادرين على الاطلاع على ما ينتج من علوم معينة، وبالتالي اتسعت الحاجة للمعرفة، وهذا أمر ضروري ومهم في تهيئة العقول لإنتاج المعرفة.
ومن ناحية أخرى أفادت كتب التاريخ بأنه في عصر الوليد بدأت الدولة في إنشاء المدارس والمستشفيات، وبالطبع فإن وجود هذه المؤسسات اقتضى وجود قائمين عليها، وبالتالي دخلت عملية الرعاية في دائرة المؤسسات، مما ساعد بالتأكيد في عملية البناء والاتجاه بقوة ناحية العلوم.
وبالطبع لأن الدولة كانت لا تزال في البدايات فقد مالت في اختيار العلوم إلى ما يقترب من الدين، أي يعمل على خدمة الدين مثل العلوم الدينية واللغوية والتاريخ.
وجانب آخر مهم ظهر الاهتمام به في العصر الأموي يتعلق بالترجمة، فقد اهتموا ببعض العلوم الأجنبية وعملوا على ترجمتها، ومما هو منسوب إلى خالد بن يزيد بن معاوية أنه كان مهتما بالكيمياء، وكانت تسمى في ذلك الزمن القديم بعلم الصنعة، ويقال في ذلك أن "خالدًا" أحضر بعض العلماء من مصر إلى دمشق ليترجموا له بعض الكتب من اليونانية إلى العربية، وفي هذا الشأن يذكر ابن النديم في كتابه "الفهرست" أنه رأى بنفسه مؤلفات لخالد بن يزيد منها "كتاب في الحراريات، وكتاب وصيته إلى ابنه في الصنعة".
كما يذكر القفطي أنه كان من مترجمي العصر الأموي الطبيب "ما سر جويه" والذي ترجم كتابا في الطب للخليفة عمر بن عبد العزيز، ويذكر ابن النديم أن شخصا اسمه "سالم" وكان بعمل كاتبا للخليفة هشام بن عبد الملك ترجم رسائل أرسطو إلى تلميذه الإسكندر الأكبر.
كانت هذه بمثابة خطوات مهمة في سبيل ما شهده العصر العباسي، الذي سنتحدث عنه المرة المقبلة..