د.إيمان يسرى

الثقافة الصوتية

الأحد، 23 فبراير 2025 01:24 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الثقافة هي وسيلة تُحسّن من وضع الإنسان، وتمكنه من مواكبة التغيُّرات الحاصلة في مجتمعه أو بيئته عند تلبية حاجاته الأساسية، كما أنها عبارة عن نظام متكامل يضم المعرفة، والفن، والقانون، والعادات والتقاليد، والأخلاق، وغيرها من الأمور التي يكتسبها الإنسان بوصفه أحد أفراد المجتمع، هذا هو تعريف مفهوم الثقافة طبقا إلى العالمان مالينوفسكي (Malinowski) وتايلور (Taylor).


الصوت البشري هو من أهم وسائل التواصل بين البشر في المجتمع الواحد، كما يُعد الصوت وسيلة تواصل بين أفراد المجتمعات المختلفة، بهدف تبادل الثقافات والفنون والمعارف والعادات والتقاليد. وبناء عليه، فهل لكل شعب ثقافة صوتية متعارف عليها، يمكن اكتسابها وتبادلها؟.


مؤخرا ظهرت عدة جرائم بشعة، حيث يقتل الأب ابنه أو أطفاله، أو يقتل الزوج زوجته، أو يقتل الأخ أخوه، أو تقتل البنت أمها، وهكذا. وللأسف هذه الجرائم حقيقية ومن أحداث واقعية ويتم نشرها يوميا في الأخبار والصحف، كما أنها تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي. وعند البحث حول بداية الواقعة، ومن خلال التحقيقات من الجهات المختصة في هذه الجرائم، نجد أن البداية دائما تكون "مشادة كلامية"، أي يبدأ الطرفان الحديث حول موضوع معين (وغالبا يكون الموضوع متعلق بالماديات)، وبعدها تعلو الأصوات ويشتد النقاش ويتحول إلى مشادات كلامية، ومن ثم يقوم طرف بطعن الأخر بأي آلة حادة قريبة (والتي في العادة تكون سكين المطبخ).


وكلما زادت هذه الجرائم، كلما تطرق إلى ذهني أنه لابد أن يتعلم الأفراد كيفية التحدث مع بعضهم البعض، حيث إن جميع البشر يتحدثون دون توقف، ولكنهم لا يدركون كيف يتحدثون! ومن هنا أدركت أننا جميعا في حاجة شديدة إلى تعلم الثقافة الصوتية. نعم صديقي القارئ، الثقافة الصوتية، وربما تتساءل في نفسك الآن: هل للصوت ثقافة؟ ربما يكون المصطلح غريب على مسمعك، ولكن في حقيقة الأمر أن الثقافة في تعريفها ومفهومها المطلق تشمل جميع المعارف والعادات والتقاليد التي يكتسبها الإنسان كأحد أفراد المجتمع، والتي بالطبع تنعكس على سلوكياته، وذلك بهدف التعبير عن احتياجاته الأساسية. كذلك الثقافة هي جزء أساسي من التواصل البشري، وذلك على مستوى المجتمع الواحد، أو على مستوى المجتمعات المختلفة. وبناء عليه، فهل للصوت ثقافة مرتبطة بكل دولة أو مجتمع، أم إنه من الفطرة المكتسبة والتي تتأثر بالعادات والتقاليد التي ينشأ عليها الفرد؟.


أثبتت الدراسات العلمية أن 90% من المشكلات والخلافات التي تنشأ بين الأفراد تكون بسبب نبرة الصوت الخاطئة أثناء التحدث أو التحاور. و10% فقط تمون بسبب اختلاف وجهات النظر. لذلك فلابد أن يكون هناك ثقافة صوتية، لتعلم وتثقف البشر حول كيفية التواصل الصوتي بشكل سليم، دون حدوث خلافات أو مشادات صوتية قد تؤدي إلى القتل.


الصوت البشري يستخدم كوسيلة للتواصل بحيث يُمكِن الإنسان من الحصول على احتياجاته الأساسية، وأيضا التعبير عن مكنوناته وأفكاره ومشاعره. وأيضا يتميز الصوت البشري عن أصوات الحيوانات، بالكلمات والمعاني والمفردات وتراكيب الجمل والسياقات، التي تساعد الإنسان في التعبير عما بداخله. وبناء عليه، فلا يجب علينا كبشر أن نستخدم أصواتنا في السباب والصراخ والشتم والقذف والهتك والتهكم والسخرية، وكل ما تسبب في جرح مشاعر الطرف الأخر وإهانته بشكل متعمد. 


ومن أهم الخصائص المميزة للصوت البشري أنه يعكس الحالة النفسية والعصبية اللحظية التي يشعر بها المتكلم، وأيضا يعتبر الصوت مؤشر عن الحالة الصحية للشخص المتكلم. ومن ثم، فيمكن للصوت أن يتنبأ بالجريمة قبل حدوثها، أي أن عندما تعلو الأصوات بين الأفراد ويزداد الصراخ، فلابد من التدخل الفوري من الجهات المختصة، وهذه يحدث بالفعل في الولايات المتحدة الأمريكية، عندما تحتد الأم على أطفالي بصوت شديد العلو، أو تنهال عليهم بالضرب والشتم، مثلما نرى ونسمع في بعض الشوارع المصرية، فقد تجد من يتصل فورا بالقسم المختص ويبلغ عما شاهد في المكان والزمان ذاته، وتبدأ الجهات المختصة في أخذ الإجراءات اللازمة، من خلال الكشف عن الحالة النفسية والعصبية التي أدت إلى هذا الصراخ.


تخيل معي صديقي القارئ، إذا تدخلت الجهات المعنية في الجرائم البشعة السابق ذكرها، أثناء الأصوات المرتفعة وقبل أن يحتد النقاش والحوار، فربما لما وقعت جريمة القتل، وتم حل الخلاف من خلال تدخل العقلاء، وتبادل وجهات النظر بشكل حواري منظم ومتحضر.  


صديقي القارئ، ليس المقصود من الثقافة الصوتية أن يتحدث جميع البشر مثل الروبوت أي بنبرة صوت ثابتة وجامدة وليس بها أي مشاعر أو تعاطف، ولكن من الأولى أن يحافظ الإنسان على صوته أثناء التحدث، بحيث يحاول جاهدا أن يحافظ على طبقة صوت مسموعة؛ فلا يكون صوته منخفض زيادة عن اللازم ولا يستطيع الطرف الأخر سماع صوته، وأيضا لا يكون صوته مرتفع جدا بحيث يسبب إزعاج شديد للطرف الأخر.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة