تتصاعد الجدالات حول العالم بسبب بعض الحيوانات البرية التى أصبحت مصدر قلق وخطر للإنسان، بينما تمثل ذاتها رموزًا للحياة البرية والتنوع البيولوجى، من الدببة فى جبال اليابان إلى الذئاب فى أوروبا وفرس النهر فى كولومبيا، تُطرح أسئلة حيوية حول التوازن بين حماية الطبيعة وسلامة البشر.
الدببة اليابانية: بين السياحة والخطر
فى اليابان، تشتهر جبال هونشو وشيكوكو بوجود الدببة البنية التى تعد من أكبر الثدييات البرية فى البلاد. هذه الحيوانات أصبحت نقطة جذب للسياح ومحبى الحياة البرية، لكنها فى الوقت نفسه تشكل تهديدًا مباشرًا للقرى والمزارع التى تقع بالقرب من مواطنها الطبيعية.
حوادث اقتحام الدببة للقرى وإلحاق أضرار بالممتلكات وتهديد حياة السكان باتت شائعة، مما دفع السلطات اليابانية لوضع برامج لمراقبتها ونقلها إلى مناطق نائية بعيدة عن التجمعات السكانية. هذا الصراع بين الحفاظ على الطبيعة وتوفير الأمان للبشر يجعل الدببة اليابانية رمزا للجدل البيئى فى آسيا.
أجازت السلطات اليابانية للشرطة إطلاق النار على الدببة، وذلك عقب سلسلة هجمات قاتلة وقعت مؤخرًا، ومنذ أبريل الماضى، تسببت الدببة فى مقتل 13 شخصا فى مختلف أنحاء البلاد، وهو رقم قياسي.
قد وضعت الحكومة اليابانية حزمة من الإجراءات لمواجهة أزمة الدببة المستمرة، بما فى ذلك عمليات إعدام طارئة من قِبل الشرطة بالبنادق، وتعاون من ضباط شرطة سابقين وأفراد من قوات الدفاع الذاتي.
وتتلقى السلطات اليابانية تقارير شبه يومية عن اقتحام دببة للمنازل، أو تجولها قرب المدارس والمتاجر الكبرى والمطارات، وقال مسؤولون باليابان، إن التعديل الذى يتيح استخدام الأسلحة النارية فى التعامل مع الدببة دخل حيز التنفيذ.
وتتمثل المشكلة الرئيسية فى الزيادة الكبيرة لأعداد الدببة التى تنمو بسرعة بسبب وفرة الغذاء، وأيضًا بسبب الانحسار السكانى المستمر فى المناطق الريفية على تخوم الغابات والجبال، مما أدى إلى طمس الحدود بين المناطق البرية والمناطق السكنية.
الذئاب الأوروبية: بين الحفاظ على الأنواع وتهديد المزارع
شهدت أوروبا عودة الذئاب بعد انقراضها لعقود طويلة، لتنتشر مجددًا فى إيطاليا وألمانيا وفرنسا. هذه العودة تعتبر انتصارًا بيئيًا، حيث تعيد التوازن للنظام البيئى عبر التحكم فى أعداد الحيوانات العاشبة. إلا أن هذه العودة لم تخلُ من التوتر، خصوصًا مع المزارعين الذين يواجهون خسائر متكررة بسبب هجمات الذئاب على المواشى، لتخفيف هذه النزاعات، وضعت حكومات عدة برامج تعويضية وحلول حماية المزارع، بينما يستمر الجدل حول الأولوية: حماية الذئاب أم حماية سبل عيش البشر؟
بدأت أوروبا دراسة إدخال تغييرات على القوانين التى تحميها، حيث إن الذئاب بدأت فى الانقراض فى القرن التاسع عشر ولكن عاما بعد عام ازداد عددها مرة أخرى، وعادت الذئاب بعد حوالى مائة عام، ويعيش حوالى 17 ألف ذئب فى أوروبا القارية، وتعود باستمرار إلى أراضى أجدادها.
وأيدت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبى (CJEU) الحظر المفروض فى بعض الدول الأوروبية وخاصة فى النمسا على قتل الذئاب، وذلك للحفاظ على تلك الحيوانات من الانقراض.
وأشارت صحيفة الباييس الإسبانية إلى أن القضاة يرون أنه لا يمكن قتل هذه الحيوانات إلا إذا تسببت فى أضرار جسيمة، وذلك الحكم تم إطلاقه بعد أن طعنت عدة منظمات لحماية الحيوان أمام قضاة نمساويين فى قرار حكومة ولاية تيرول الفيدرالية الذى سمح بقتل بذئب ذبح حوالى عشرين خروفًا.
ويسلط قرار محكمة العدل الأوروبية الضوء على أنه يجوز قتل ذئب بشكل منفرد لأنه يمثل خطورة ويتسبب فى أضرار جسيمة ولكن لن يكون قتل الذئاب بشكل عام قاعدة يجب اتباعها.
وتشير المحكمة إلى أن الاتحاد الأوروبى ملتزم باتفاقية برن، التى تحمى الذئاب بشكل صارم وأن الحكومة النمساوية نفسها قد اعترفت بأن أعداد الذئاب فى ذلك البلد ليست فى حالة حماية مواتية.
فرس النهر فى كولومبيا: ظاهرة غريبة ومثيرة للجدل
فى كولومبيا، برزت ظاهرة غريبة حيث انتشر فرس النهر الأفريقى، المنحدر من حيوانات هربت من مزارع خاصة تعود لحقبة تجارة المخدرات. هذا الحيوان الضخم أصبح يشكل تهديدًا للأهالى والقرويين على ضفاف الأنهار، بسبب قوته وسلوكه المفاجئ، لكنه أيضًا أصبح عنصر جذب سياحى غير رسمي. يحاول المسؤولون البيئيون السيطرة على أعدادها دون التأثير على النظام البيئى، وسط جدل حول الطريقة المثلى لإدارتها.
القرود والنمور من حيوانات أخرى تثير الجدل عالميًا
لا يقتصر الجدل على هذه الحيوانات الثلاثة، بل تمتد إلى حيوانات أخرى حول العالم. النمور فى الهند وباكستان تواجه خطر الصيد غير القانونى، بينما القرود فى تايلاند وأندونيسيا تتسبب أحيانًا فى أضرار للمزارع والبشر. كذلك أسماك القرش والحيتان تثير الجدل بين ضرورة حماية الأنواع البحرية وسلامة الإنسان.
حلول مقترحة لحل تلك الأزمة
تشير التجارب العالمية إلى أن الحلول يجب أن تكون متعددة الأبعاد، برامج التعليم البيئى والتوعية، المراقبة الذكية لمواطن الحيوانات، وضع مناطق محمية، وتعويضات عادلة للمزارعين، هى عناصر أساسية لتخفيف النزاعات، كما أن البحث العلمى المستمر ضرورى لفهم سلوك هذه الحيوانات وطرق التعايش الآمن معها.