أكد عدد من المترجمين وأدباء أن جوهر الترجمة الحقيقية يكمن في نقل روح النص وأثره الشعورى، لا فى الالتزام الحرفي بكلماته التي قد تفقد المعنى وتشوه التجربة الأصلية.
جاء ذلك خلال جلسة حوارية ضمن فعاليات الدورة الـ44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، بمشاركة كل من المترجمة والكاتبة العراقية هند سعيد، والكاتب السعودي أشرف فقيه، والمترجمة المتخصصة في أدب الطفل أمل إسماعيل، وتناولوا خلالها تحديات الترجمة وأساليب التعامل مع النصوص من ثقافات مختلفة.
وتحدثت هند سعيد عن أهمية البدء بقراءة النص قراءة وجدانية عميقة قبل الشروع في ترجمته، مشيرة إلى أن الوصول إلى روح النص والتعرف إلى ما يريد الكاتب قوله هو الأساس الذي لا تستقيم عملية الترجمة من دونه.
الترجمة إلى العربية ليست يسيرة
وكشفت عن أنها حين تتصدى لترجمة عمل ما كثيرا ما تقرأه أكثر من مرة، موضحة أن الترجمة إلى العربية ليست يسيرة لأنها لغة مفعمة شعوريًا وكل لفظة فيها ذات دلالة مختلفة.
ترجمة النصوص التراثية تعد من أصعب أنماط الترجمة
وأضافت أن دور المترجم يتجاوز نقل الكلمات، فهو "يمثل الوجه الآخر للكاتب"، مؤكدةً أن ترجمة النصوص التراثية تعد من أصعب أنماط الترجمة، إلى درجة أن بعض المترجمين يضطرون لذكر المفردة الأعجمية ثم تقديم شرح موسع لها.
كما أكدت على ضرورة أن يكون المترجم على معرفة بثقافة الكاتب وخلفيته الفكرية والأخلاقية والعوامل التي أثرت في تكوين نصه.
من جانبه، أكد الكاتب السعودي أشرف فقيه، أن التحدي الأكبر أمام المترجم هو إعمال صوت ضميره، موضحًا أن الأمانة تقتضى احترام النص الأصلي بوصفه نتاجًا لجهد إنساني وإبداعي.
وقال، أقدم في مسيرتي الأدبية تجربة تحاول الجمع بين الخيال العلمي والتاريخ، وأبحث عن مواضيع مختبئة، وأكتب في الخيال العلمي ثم في التاريخي سعيًا إلى سرديات غير مألوفة.
الأدب لا ينفصل عن واقعه الحضاري
وأشار فقيه إلى أن غياب حركة علمية عربية قوية انعكس على إنتاج أدب الخيال العلمي العربي، معتبراً أن الأدب لا ينفصل عن واقعه الحضاري والثقافي والاجتماعي، وحتى العلمى.
الترجمة الموجهة للأطفال غاية في الصعوبة
أما المترجمة وكاتبة أدب الطفل أمل إسماعيل، فأكدت أن الترجمة الموجهة للأطفال غاية في الصعوبة، لأنها تتطلب تبسيط المعنى بطريقة سهلة ومناسبة لمداركهم، مع الحفاظ في الوقت ذاته على رصانة اللغة وعدم ابتذالها.
وقالت إن الترجمة عملية إبداعية بقدر ما هي لغوية، وتشترط امتلاك المترجم للموهبة والمعرفة العميقة باللغتين: لغة المصدر ولغة الهدف.
واختتمت الجلسة بالتأكيد على أن الترجمة، بما تحمله من مسؤولية ثقافية ومعرفية، تظل واحدة من أهم الجسور التي تربط الشعوب ببعضها، وتفتح مسارات جديدة للتواصل الإنساني والمعرفي عبر الزمن.
ندوة الشهادة الإبداعية بين سؤال الذات والرصد النقدي
وفي أمسية أدبية جمعت بين أسئلة الإبداع وتجربة الكتابة، ناقش شعراء ونقاد دور "الشهادة الإبداعية" في قراءة مسيرة الشاعر، وكيف يمكن لهذا النوع من الكتابة أن يفتح نافذة على ما قبل النص، وأن يكشف ملامح التكوين الشخصي والجمالي للأدباء.
وشارك في الندوة تحت عنوان "الشهادات الإبداعية للشعراء بين سؤال الذات والرصد النقدي"، الشاعر والكاتب الإماراتي علي سيف الشعالي، والناقد والأكاديمي الدكتور نزار قبيلات من جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، وأدارتها الدكتورة سعاد راشد، وسط حضور أدبي لافت.
من شرارة الشعر الأولى إلى سؤال الرواية
استعاد علي الشعالي بداياته الأولى، حين أكتشف الشعر في البيت ومن جلسات البحر والحكايات الشعبية، قبل أن تتوسع تجربته في الجامعة عبر أساتذة ومشاركات ومسابقات خليجية شكّلت مرحلة مبكرة في وعيه الإبداعي، وقدم الشاعر نبذة عن دواوينه الأولى مثل "نحلة وربابة"، "للأرض روح واحدة"، "وجوه أخرى متعبة"، و"دلوني على الكهف"، وصولاً إلى دواوينه الأخيرة "يا ليل أعدني طفلاً"، و"العشب يشبهنا هنا".
وأشار الشعالي إلى أن دخوله عالم السرد لم يكن خروجاً من الشعر، بل محاولة "للتخفيف من حمله"، موضحا أن رواية "الحي الحي" استغرقت منه ثلاث سنوات من البحث والبناء والتجريب، وأن كتاباته القصصية مثل "حيوات بنكهة الرمان" جاءت لإتاحة فضاء أوسع لمعالجة قضايا لا تحتملها القصيدة، وقال إن الكاتب حين ينضج يدرك أن الكتابة "سبب وجود لا هواية"، وإنه شخصيا وضع الكتابة في مركز حياته، معتبراً أن لكل معنى جنسه الأدبي الذي يناسبه، وأن التنقل بين الشعر والرواية والقصة "ليس ترفا… بل ضرورة يفرضها الصوت الداخلي للنص.
النص قبل صاحبه
وقدم الدكتور نزار قبيلات قراءة نقدية في تجربة الشعالي، مشيراً إلى أن رواية "الحي الحي" تمثل نموذجا لجرأة التجريب في الأدب الإماراتي، عبر مزج الفانتازيا بالخيال العلمي، والسؤال الفلسفي بالبعد الواقعي، كما توقف عند مجموعة "حيوات بنكهة الرمان" بوصفها عملاً يرصد توتر القيم الحديثة وتحولات العالم، عبر لغة شاعر يحاور الواقع دون مبالغة أو تجميل.
وأشار قبيلات إلى أن "الشهادة الإبداعية" تتيح للنقاد والقراء فهم الظروف التي يتشكل فيها النص، دون أن تلغي استقلاليته الجمالية، مضيفا أن تعدد الأجناس في تجربة الشعالي يكشف رغبة في اختبار الأسلوب واللغة، وفي التخفف من ثقل القوالب الجاهزة.
الشهادة الإبداعية بين الورق والمنصّات الرقمية
وتناولت الجلسة أثر الفضاء الرقمي في حضور الشعراء اليوم، حيث أكد الشعالي أن موجة "شعراء إنستجرام" ليست محلية، بل ظاهرة عالمية فرضتها طبيعة النشر السريع، لكن الزمن، يمتلك غربالاً قاسياً يبقي الجيد ويسقط السطحي، وشدد على أن الكاتب مسئول أمام لغته وقارئه، مهما تغيرت وسائل النشر، موضحا أن الذكاء الاصطناعي والمنصات الرقمية قد تؤثر في شكل الكتابة، لكنها لا تستطيع أن تصنع شاعرا حقيقيا.
الشهادة جسر بين الذات والنص
اتفق المتحدثون على أن الشهادة الإبداعية ليست سيرة ذاتية، بل محاولة لإضاءة اللحظات التي تُولد فيها الأعمال الأدبية، وأنها تساعد على قراءة النصوص من زاوية أعمق، تجمع بين التجربة الشخصية والرؤية الفنية، وتكشف التطور الطبيعي للكاتب بين الشعر والسرد وفنون الكتابة المختلفة.