عصام محمد عبد القادر

القيم من منظور قومى

الجمعة، 19 أبريل 2024 04:04 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

القيم مجموعة المعايير والمبادئ التى يقرها المجتمع، وتُسهم فى تشكيل معتقد الإنسان، وتصبح لبنة لتفكيره وفحوى لقناعاته، وموجه لسلوكه وفق ما ينبغى القيام به من واجبات، وما يتمسك به من حقوق مشروعة فى أبعاد الحياة الاجتماعية والسياسية والقانونية والثقافية والاقتصادية والبيئية والعسكرية والصحية، بما يؤدى إلى تكوين المواطن الصالح الذى يمتلك من الخبرات ما يجعله قادرًا على تحمل المسئولية مواليًا ومنتميًا لتراب وطنه محافظًا على مقدراته وهويته القومية، مضحيًا بنفسه من أجل حماية أمن وطنه القومى، معتزًا بثقافته مفتخرًا بحضارته، مشاركًا فى الإعمار والنهضة.

ويُعد الإتقان فى العمل من القيم التى تؤكد ما يبذل من جهد مضنى مقرونًا بعمل يتسم بالدقة فى أدائه؛ ليخرص فى صورة مرضية، وهذا بالطبع يكشف نقيض القيمة من العجلة فى الأداء بغية الاستسهال، والبعد عن الاتقان مع الحرص على إضافة بريق تفتقد قيمته مع مرور الوقت، ومن ثم فإن صورة المنتج النهائى غير ذات جدوى من حيث الاستفادة أو العمر الافتراضى، وهذا يهدر معه الجهود والوقت والمقدرات المادية التى يتكلفها هذا العمل غير المتقن، ويزيد من حالة التردى العملية منها والمعنوية، كما قد يساعد فى فقد الثقة بين مخرج العمل ومن يطلبه أو يستفيد منه.

والحرية المسئولة تأخذ مستوى متقدم فى السلم القيمي؛ فقد منحت للإنسان منذ ولادته على أن يدرك مع الوقت ضوابطها ومعاييرها وضرورتها فى أن يختار الطريق الصواب، ويسعى لتحقيق أهدافه الخاصة التى تتسق مع أهداف الجماعة المنتمى لها، وبهذا تعتبر داعمة لمراحل الابتكار لديه، وتحثه على بذل مزيد من الجهد ليحقق ذاته ويصبح فاعلًا فى حياة يملؤها الزخم المعلوماتى والتطور التقنى باعتبارهما نتاج تقدم علمى مستمر، وهنا لا مناص لحرية تتعدى حقوق الآخرين وتذهب بقيمهم النبيلة التى يؤمنون ويعتقدون فيها، ومن ثم صارت الحرية مقرونة بتحمل المسئولية ولا تنفك عنها البتة.

ومن القيم التى تجعل للحياة معنى ومغزى قيمة الحب، والتى تبدو جلية فى محبة الآخر، وهذا يشير إلى أن الأصل فى بنى البشر تبادل المحبة كون هذا السلوك يعبر عن رقى هذا المخلوق الذى فضله رب العرش العظيم على سائر مخلوقاته، ولنا أن ندرك بأن المحبة لا تعنى ضعفًا أو تنازلًا عن حقوق أو هدرًا لمقدرات أو تراجعًا عن موقف راسخ؛ فالمحبة تعنى قوة المحب فى حرصه على الآخر واحترامًا لما يسهم فى تعضيد العلاقات الإيجابية والتى تؤدى لمزيد من التواصل والوصال، بما يحدث شراكات فاعلة من خلالها تتبادل الخبرات والمنافع العامة منها والخاصة، ويزداد التقدير والاحترام، وتبدو ملامح الأصالة متجذرة فى المواقف الصعبة التى يتكاتف فيها الإنسان مع أخيه لنجدته والدفع به لبر الأمان.

وقيمة الولاء والانتماء يتأكد منها صورة الهُوِيَّة والتى تُعبر عن ذات الفرد وكيانه الذى يرتبط بمولده وانتمائه، والثوابت التى يتمسك بها من لغة ومعتقد وقيم موجهة لسلوكه، ومقدرته فى الحفاظ على تراثه، واعتزازه بثقافة موطنه، والتفاخر بحضاراته، والطموحات والآمال المشتركة مع بنى وطنه نحو المستقبل؛ لذا أضحت الهُوِيَّة سمة مميزة يشعر الفرد من خلالها بالتفرد والتميز، وتُسهم فى تحقيق استقلاليته، ومن ثم تُعد أحد معايير المفاضلة لديه فى الاختيار؛ حيث يستمد من خلالها خبرات مجتمعه، من معارف ومهارات ومعتقدات وقيم وفنون واكتشافات وابتكارات وسلوكيات، يقرها ويعضدها المجتمع.

وهناك قيم تحض الفرد على أن يحافظ على مقدرات وطنه ويعمل على صيانتها ولا يقبل بأى حال حالات التعدى عليها، وتلك قيمة المسئولية المدنية، وفيها يعى ويحترم المواطن ما أقره الدستور والقانون؛ فيلتزم بالسلوك القويم، بل ويحث غيره على التمسك بها؛ فتنجو سفينة الوطن وتتمكن من الإبحار فى مسار النهضة واستكمال مراحل البناء، كما أن هذه القيمة تورث الإيجابية فى وجدان الإنسان؛ فتجعله مبادرًا مشاركًا مقدمًا لا متخاذلًا يؤدى ما عليه ويزيد ويكابد من أجل أن يصل إلى المرمى ولو لم يصبه النفع؛ ففائدة الغير غاية التمني.

وفى عصر متسارع فقد فيه الإنسان اتزانه، كانت الحاجة ماسة للتمسك بقيمة الصبر والتى يتلوها التحمل؛ ليستطيع أن يحقق ما يصبو إليه؛ فلا يصبه الشعور بالإحباط أو الكلل والملل، ويواجه كافة التحديات والصعوبات ويحول الأزمات لمنح بأسلوب راق هادئ لا يغمره التسرع والاندفاع غير المحسوب؛ فلا استسلام فى حالة الشدة أو تفاقم الأزمات؛ فبالتحمل والصبر تزداد الإرادة وترتفع الثقة بالنفس، ومن ثم تتضاعف القوة الكامنة لدى الفرد ليجتاز المشاق، ويحقق الهدف، ويحد من توقعات الخسران أو الاخفاق المرتقبة؛ فيمكنه من أن يصنع القرار ويتخذه بمنهجية مبتكرة تساعده فى أن يصل لمراده ويوطد علاقاته بالآخرين؛ حيث لا يخضع لضغوط أو يقبل تنازلات من شأنها أن تقلل من موقفه أو تضعفه.

والقيم من منظور قومى لا تنفك عنها قيمة التنافسية المحمودة التى تسهم فى ارتقاء وتقدم ونهضة الدولة فى مجالاتها المختلفة؛ فلا سبيل لإنجاز مرتقب فى أبعاد التنمية بعيدًا عن التنافس الذى يستهدف الوصول لأعلى جودة وكفاءة فى وقت قياسى مقرونًا بمزية الابتكار التى تحسن من المخرج وتضفى له ملامح جمالية تزيد من رونقه داخليًا وخارجيًا بما يتسق مع المعايير العالمية، ولا جدال حول حتمية توافر المناخ الداعم للتنافسية الصحية حتى نضمن العدالة والمساواة فى إتاحة الفرص؛ فتتدفق الأفكار والممارسات من أذهان تقدحها تلكما القيمة المعززة للأداء فى صورته الابتكارية الفردية منها والجماعية على حد سواء.

وتلك إطلالة مختصرة لبعض القيم من منظور قومي؛ فهناك المزيد منها ويصعب أن يتسع لها هذا المقام، ونود الإشارة إلى أن ما ذكر من قيم تمثل بالضرورة قيم مجتمعنا المصرى الموروثة والتى اقرتها عقيدتنا السمحة وسائر الأديان السماوية.. ودى ومحبتي.

حفظ الله وطننا الغالى وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة