"أؤمن بشيء واحد فقط، هو قوة إرادة الشعب"، جوزيف ستالين، الزعيم السوفييتي المعروف 1878- 1953، ورغم مرور عشرات السنين على عبارة ستالين، إلا أنها مازالت حاضرة في العقيدة الروسية، التي ترى أن إرادة شعبها أهم من كل شيء، حتى وإن كان الثمن مقاطعة أوروبية أمريكية، عقب الحرب مع أوكرانيا، التي بدأت قبل عامين، ولم تضع أوزارها بعد..
موسكو التي تستعد بعد أيام لسباق الانتخابات الرئاسية، الذي يبدأ الجمعة 15 مارس وينتهي 17 من الشهر ذاته، بإعلان اسم رئيسها الجديد، لفترة رئاسية تمتد 6 سنوات مقبلة حتى عام 2030، أقامت مهرجانا عالمياً للشباب، يضم تجمعات من 180 دولة، بعدد مشاركين يتجاوز 20 ألف من قادة الشباب في مختلف البلاد، ووفرت لهم سبل الإقامة والانتقال السهل الآمن، داخل منتجع سوتشي على البحر الأسود.
"سوتشي".. هذه المدينة الساحلية التي دائماً ما يعطي لها الرئيس بوتين إشارات الدعم والمعاونة، باعتبارها أهم المدن السياحية الروسية، إلى جانب أنها مدينته المفضلة لقضاء العطلات الرسمية، نظراً لما تتمتع به من مناخ مستقر و َطقس معتدل دافيء طيلة العام، قدمت صورة حضارية متميزة، وقدرة واضحة على استضافة الفعاليات الدولية الكبرى، واستقبال الوفود التي تمثل ثقافات وعادات متنوعة، فكانت موقعا متميزا لكل زوار ورواد المهرجان، حتى وإن كانت هناك عقبات صغيرة في مواعيد السفر والتحرك إليها، نتيجة الضغط على المطارات و أعداد المشاركين الكبيرة.
سوتشي لو كانت مدينة مصرية، يمكن أن نعتبرها "شرم الشيخ"، نفس المعالم والأجواء والدفء والبنية التحتية الفندقية المتميزة، وكرم الضيافة، وحسن المعاملة، وشبكة المواصلات العامة الممتدة بطول المدينة لخدمة رواد مهرجان شباب العالم بالمجان على مدار اليوم دون عقبات أو مشكلات، في أجواء تنظيمية مميزة، ذكرتني بالأداء الاحترافي الذي قدمته مصر في النسخ المختلفة من منتدى شباب العالم، الذي صار منصة مهمة ودولية لتجمعات الشباب حول العالم، وأيقونة بارزة في التنظيم والإدارة المحترفة.
مهرجان شباب العالم في روسيا لا تنظمه الحكومة فقط، لكن تشارك فيه كل المؤسسات العامة والخاصة، ويضم آلاف المتطوعين الذين يقدمون الدعم والمعاونة الصادقة لكل من يطلب منهم، بل أكثر من ذلك، فالمهرجان تدعمه الفنادق وشركات السفر والسياحة، وكذلك شركات الطاقة، والمؤسسات الحكومية ذات الصفة الدولية، باعتباره وسيلة لجذب الأنظار إلى روسيا، ومنصة مهمة يتم من خلالها توجيه رسالة موسكو إلى العالم.
أتصور أن مهرجان شباب العالم في نسخته الروسية يحمل رسالة مهمة وقوية من بلد القياصرة، بأن موسكو قادرة على التخطيط والإدارة والتنظيم لأحداث دولية كبيرة، يمكن من خلالها توصيل صوتها وتوجهاتها إلى المجتمع الدولي، رغم كل الحصار الذي تفرضه عليها أوروبا وأمريكا، وعدد من حلفائهم حول العالم، لذلك ننتظر خلال الساعات القادمة الخطاب الذي سيقدمه بوتين للعالم من منصة مهرجان الشباب..
المشاركة المصرية والعربية في مهرجان شباب العالم في روسيا مبهرة ومشرفة، فكل من رأيتهم من المصريين في روسيا يلتحفون العلم الوطني، ويتحركون به في كل مكان، ويقدمون عروض وبرامج مميزة، تجذب الانتباه، وتؤكد حسن التخطيط والإدارة لهذه المجموعات، التي يزيد عددها عن 109 شباب، أغلبهم من الجامعات المصرية، وحضروا إلى روسيا للمرة الأولى من أجل الترويج لمصر، وبالفعل كانوا خير سفراء للقاهرة، وقدموا نموذجا محترفا لصورة الشاب المصري أمام وفود 180 دولة حول العالم.
الوفود العربية أيضا قدمت طابعا مميزا ومختلفا لمهرجان شباب العالم، وأعطت لوحة متكاملة من الإبداع الفني والثقافي والمخزون الحضاري لديها، بداية من تقاليد الأزياء وأدوات الطعام، حتى الألآت الموسيقية، التي تعكس خصوصية عدد من المجتمعات العربية، خاصة شمال إفريقيا.
لا شك أن مؤتمرات الشباب ذات الطابع المحلي أو العالمي لها أهمية كبرى في أغلب دول العالم، ويجب الاهتمام بها والترويج لها والتدريب على تنظيمها والتخطيط لذلك، والنظر بعمق إلى حجم المكاسب التي تعود بها على المجتمع، باعتبارها ملتقيات حضارية وثقافية مهمة، تتلاقى فيها الشعوب والثقافات بشكل يدعم التعرف بصورة مختلفة، وعن قرب على ثقافة الآخر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة