بيشوى رمزى

العرب فى ميزان الدبلوماسية الدولية.. أوروبا "على خطى" موسكو وبكين

الثلاثاء، 07 فبراير 2023 03:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حالة من الزخم الدولي، باتت تحظى بها المنطقة العربية في الآونة الأخيرة، وهو ما يبدو في الكثير من المشاهد، ربما أبرزها المساعي التي تتبناها القوى الكبرى، لتعزيز دائرتها العربية، وهو ما تجلى في القمم التي عقدتها واشنطن وبكين، مع دول المنطقة، خلال الأشهر الماضية، بينما تسير موسكو على نفس النهج، عبر الاستعداد لتنظيم منتدى وزاري روسي عربي، خلال العام الحالي، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا للأهمية الكبيرة، التي بات يحظى بها الإقليم، مع تصاعد الأزمات، وعلى رأسها الأزمة الأوكرانية، ناهيك عن التحولات في المعادلة الدولية، مع صعود قوى جديدة من شأنها إنهاء حالة الهيمنة الأحادية، لتتحرك نحو حشد المعسكرات، التي من شأنها إضفاء أكبر قدر من الشرعية الدولية على الدور الذي يمكنها القيام به، في إطار قيادة دولية متعددة الأطراف.
 
إلا أن حالة الحشد التي تتبناها القوى المتنافسة على قمة النظام العالمي، في اللحظة الراهنة، تقوم في إطار إقليمي جماعي بعيدا عن حالة الاستقطاب الفردي، وهو النهج الذي تبنته الولايات المتحدة، خلال حقبة "الحرب الباردة"، حيث اعتمدت مسارا ارتكز على توحيد دول المعسكر الغربي، في إطار مؤسساتي جامع، عبر بناء "المجموعة الأوروبية للفحم والصلب"، والتي شكلت "نواة" للاتحاد الأوروبي، في الخمسينات من القرن الماضي، بينما صنعت حلف الناتو ليكون ذراعا عسكريا للتحالف بأسره، فتحولت تلك الكيانات إلى قوى مؤثرة، يمكنها خدمة الأهداف السياسية والاستراتيجية والأمنية للدول الأعضاء بها، وهو ما ساهم في تعزيز شوكة واشنطن، في مواجهة الاتحاد السوفيتي، على عكس الأخير والذي آثر الحالة الفيدرالية في أوروبا الشرقية، مما ساهم في تصاعد نزعات الانفصال، وبالتالي تدميره من الداخل.
 
ولعل بروز "الدائرة العربية" بين الدوائر الدبلوماسية للقوى الدولية المتنافسة، يبدو نتيجةً طبيعية للعديد من المعطيات، أبرزها صعود أهمية المنطقة، في ظل خروج دائرة المعارك الدولية بعيدا عن منطقة الشرق الأوسط، في ظل الحرب الحالية في أوكرانيا، وتداعياتها على قطاعات حيوية، كالطاقة والغذاء، وبزوغ أزمات جديدة، كالاوبئة وظاهرة التغير المناخي، لتصبح الحاجة ملحة لتوسيع نطاق الحشد، عبر العمل على المسارات الإقليمية الجماعية، في إطار مؤسسي بعيدا عن المعادلات الثنائية الضيقة، التي تقوم في الأساس على التحالف مع القوى الرئيسية في مختلف المناطق الجغرافية، مقابل تقديم الدعم السياسي والاقتصادي لها، بعيدا عن الدول الأخرى، التي عانت قدرا كبيرا من التهميش والاهمال، واحيانا التجريف.
 
ويبدو تحرك القوى الدولية نحو الحشد في إطار إقليمي جامع ومؤسسي، واضحا في الزخم الكبير التي باتت تحظى به جامعة الدول العربية، في ظل تحولها إلى مركز استقطاب مهم للعديد من القوى الدولية الصاعدة التي تسعى لمزاحمة واشنطن على قمة النظام الدولي، وهو ما يبدو في زيارة وزير الخارجية الصيني لمقر الأمانة العامة ولقاءه بالأمين العام أحمد ابو الغيط، في الشهر الماضي، وحرص بكين على التنسيق معها فيما يتعلق بالتعاون مع الدول العربية، وهو ما ينطبق على الجانب الروسي، في ضوء زيارة مماثلة لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، وحديثه إلى المندوبين الدائمين قبل عدة أشهر، ناهيك عن زيارات قادة ووفود أوروبيين لـ"بيت العرب"، وأخرهم الرئيس الكرواتي زوران ميلانوفيتش، وقبله وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، وكذلك وفد برلماني من روما، وغيرهم، مما يمثل انعكاسا لاهمية تلك الدائرة على الساحة الدولية، في ظل مرحلة عالمية عاصفة بالأزمات.
 
وتعد زيارات المسؤولين الأوروبيين لجامعة الدول العربية في الأسابيع الأخيرة، مؤشرا مهما لاستلهام الغرب للنهج الروسي والصيني، والذي ينم عن إدراك عميق لاهمية التحرك على المسارين الفردي، عبر التقارب مع الدول الرئيسية في المنطقة من جانب، والجماعي من خلال الكيان الجامع للدول العربية، باعتباره يحمل على عاتقه قضايا المنطقة وهمومها، وهو ما يساهم بصورة كبيرة في خلق مساحة أكبر للدفاع عن المصالح الجماعية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وهو ما يعكس حاجة الأوروبيين لدعم الجانب العربي، في ظل الازمات المتواترة، بالإضافة إلى رغبتهم في مزاحمة القوى المتنافسة، بحثا عن دور أكبر في المعادلة الدولية الجديدة بعيدا عن التبعية المطلقة للولايات المتحدة والتي سادت المشهد في العقود الاخيرة.
 
التحرك الاوروبي نحو الجامعة العربية، تزامن توطيد العلاقة مع القوى الفاعلة في المنطقة، وعلى رأسها مصر ودول الخليج والجزائر، وغيرهم، في انعكاس لحاجة دول القارة العجوز إلى الدعم العربي على المستويين الفردي والجماعي، لمجابهة الأزمات التي تلاحقها في اللحظة الراهنة، مع تفاقم أزمتي الطاقة والغذاء.
 
وهنا يمكننا القول بأن الدائرة العربية باتت أولوية مهمة في دبلوماسية القوى الكبرى، وهو ما يعكس حالة الاستقطاب بين القمم الأخيرة، والزيارات المتواترة، من قبل المسؤولين الدوليين سواء لدول المنطقة أو كيانها الجامع، مما يساهم في تعزيز الدور الذي يمكن أن تلعبه المنطقة، في صورتها الجمعية، في مواجهة أزمات العالم في المرحلة المقبلة، شريطة تحقيق أكبر قدر من التوافق والتماسك بين القوى الاقليمية الرئيسية، والعمل على إيجاد أرضية مشتركة فيما يتعلق بكافة القضايا المثارة على الساحة الدولية، لتحقيق المصالح الجماعيه لدول الاقليم.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة