بيشوى رمزى

مصر والهند.. "البناء على التاريخ" لمواجهة أزمات العالم الحديث

الخميس، 26 يناير 2023 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ربما تحمل الزيارة التى يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى الهند أهمية استثنائية، فى إطار العديد من المعطيات، أبرزها التوجه نحو توسيع الدوائر الدبلوماسية، عبر التوجه شرقا، وتحديدا نحو القارة الآسيوية، وكذلك تزامنها مع احتفالات نيودلهي بيوم الجمهورية، وهو ما يعكس الأهمية الكبيرة التي تحظى بها الدولة المصرية، ناهيك عما تحمله من أبعاد رمزية تشير في جوهرها إلى الزخم الذي يحظى به الإرث الدبلوماسي في العلاقات بين البلدين، بالإضافة الي توقيت الزيارة في ظل أزمات عميقة يشهدها العالم في اللحظة الراهنة، وعلى رأسها الأزمة الأوكرانية، والتي تركت تداعيات كبيرة على الاقتصاد العالمي.
 
ولعل الأبعاد المذكورة، تمثل انعكاسا لأهمية الزيارة التاريخية، والتي ترجمتها حالة الاحتفاء الكبيرة بها، من قبل الهند، سواء على مستوى المسؤولين أو الإعلام، حيث تمثل في جزء منها امتدادا للتوجه الجديد، القائم على توسيع نطاق التأثير المصري، نحو مناطق تتجاوز النطاق الاقليمي الضيق، بينما في جزء أخر تمثل إحياء ما يمكننا تسميته "سنن" الدبلوماسية المصرية، في ظل علاقة تاريخية جمعت بين البلدين، وصلت إلى ذروتها في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ورئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو، واللذان أسسا سويا حركة "عدم الانحياز"، التي قادت تحالفا حياديا تجاه الحرب الباردة، بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي، والتي استمرت لعقود طويلة من الزمن.
 
وبين إحياء "سنن" الدبلوماسية المصرية، وتعزيز توجهاتها المستحدثة، نجد أن ثمة مقاربات عدة، أبرزها الحاجة الملحة لتحديث العلاقات التي حظت بزخم تاريخي، خاصة مع الدول التي تحمل نفس المواقف تجاه الأوضاع الدولية الراهنة، على غرار الهند، وذلك في إطار التعاون لمواجهة الأزمات الجديدة، مع تطوير نهجها، مع عودة الصراع الدولي بين الشرق والغرب مجددا، عبر تحقيق شراكة حقيقية من شأنها، ليس فقط التزام الحياد بصورته السلبية، وإنما اتباع نهجا إيجابيا، يساهم في تعزيز دور الأقاليم، التى عانت تهميشا طويل الأمد، دام لعقود، سواء بسبب سياسات التجريف التي اعتمدتها القوى الكبرى أو الظروف الدولية المتلاحقة.
 
"الحياد الإيجابى" الذي ترنو إليه الدولة المصرية عبر شراكاتها الدولية، يعتمد فى جوهره مسارات متعددة، أولها تحقيق أكبر قدر من التكامل بين البلدين لتحقيق المصالح المشتركة، وعلى رأسها مجابهة التداعيات الناجمة عن الأزمات الراهنة، بينما يقوم المسار الاخر على النطاق الإقليمى الأوسع، عبر توسيع دائرة الشراكة الثنائية من خلال دمج دول أخرى، سواء من آسيا أو إفريقيا أو منطقة الشرق الاوسط، في العملية التكاملية، فى حين يبقى هناك مسارا ثالثا يعتمد القيام بدور حقيقي وبارز في تقديم حلول للأزمة الراهنة التي أرقت العالم، وعدم الاكتفاء بإعلان مواقف حيادية.
 
وفي الواقع، يبدو التوجه المصرى نحو الهند، ليس جديدا تماما، فهو يمثل امتدادا صريحا نحو نهج بدأ في السنوات الماضية مع ميلاد "الجمهورية الجديدة"، عندما أعادت مصر الحياة لعلاقتها مع دول أوروبية، كانت مهملة لعقود، رغم ما تحظى به من زخم تاريخي، على غرار اليونان وقبرص، واللتين عادت إليهما مصر عبر بوابة الغاز الطبيعي، لتتسع الشراكة الثلاثية التى جمعت بينهم، إلى أفاق أوسع عبر تدشين "منتدى غاز شرق المتوسط"، والذي انضمت له عدة دول أخرى من مختلف الأقاليم الجغرافية، ليكون "لبنة" مهمة فى تعزيز أمن الطاقة.
 
وهنا يمكننا القول بأن التوجه المصري نحو الهند، يحمل إحياء لإرث تاريخى، يحظى بزخم في الدبلوماسية المصرية، بينما استدعته معطيات العصر، في ظل أزمات جديدة، تحمل في الوقت نفسه جذور تاريخية، وهو ما يمثل خطوة مهمة للبناء على التاريخ، للانطلاق نحو تحديث الأدوات لتحقيق المصلحة المشتركة، سواء للبلدين أو في نطاق أوسع عبر تحقيق مصالح مناطقهما الجغرافية.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة