ربما كان تحقيق الاستقرار الإقليمي، في منطقة الشرق الأوسط، أحد أهم الأهداف التي سعت "الجمهورية الجديدة" إلى تحقيقها منذ انطلاقتها قبل ثماني سنوات، على اعتبار أن الصراعات الإقليمية باتت تحمل في طياتها طبيعة "فيروسية" سريعة الانتشار، وهو ما تجلى في أبهى صوره إبان "الربيع العربي"، والذى أضفى البيئة المناسبة لجماعات الإرهاب لتتجاوز في تهديداتها حدود الدول التي تقبع بها نحو إطار إقليمي، ومنها إلى العالمية، ناهيك عما ترتب على تلك الحقبة من حروب أهلية وعدم استقرار اقتصادي، بالاضافة إلى أوضاع سياسية متأزمة، غيرها من الأزمات التي انتقلت بسلاسة من دولة إلى أخرى، لتتحرك الدولة المصرية، في أعقاب ثورة 30 يونيو، نحو العمل على استعادة الاستقرار في الداخل، مع إرساء دعائمه إقليميا، في إطار يبدو متزامنا ومتوازنا.
فلو نظرنا إلى التحركات المصرية، نجد أنها حملت شعار "الحوار"، باعتباره الوسيلة الوحيدة لتحقيق الاستقرار الاقليمي، عبر اجتماعات "تشاورية" تبنتها مصر على مستوى القمة، تجاوزت الثنائية التقليدية، نحو قمم ثلاثية وأخرى رباعية وخماسية، مع قادة الدول الاخرى في المنطقة، في إطار "حواري"، يهدف في الأساس إلى الوصول إلى أرضية مشتركة مع تنحية الخلافات جانبا، بينما تبنت نهجا يبدو مماثلا في الداخل عبر إشراك كافة الفئات المجتمعية، وعلى رأسها تلك التي عانت تهميشا طويلا دام لعقود طويلة من الزمن، بهدف تحقيق "السلام الاجتماعي"، وبل وامتدت مظلة الشراكة من القطاعات المجتمعية إلى الجغرافيا، عبر المشروعات التنموية العملاقة التي امتدت إلى كافة محافظات الجمهورية بعدما كانت مقتصرة على دائرة محدودة.
ولعل التركيز على مفهوم "السلام الاجتماعي" هو المحور الأهم، في هذا الإطار، سواء عبر الحوار الوطني، الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي في أبريل الماضي، أو ما سبقه من فاعليات، لم تتجاهل أي فئة من المواطنين، بدء من الشباب والمرأة وحتى ذوى الهمم والقوى السياسية باختلاف توجهاتها، لتنصهر جميع هذه الفئات في "بوتقة" الحوار، والذي لا يهدف في النهاية إلا للاحتفاظ بحالة "السلام" بين كافة أطياف المجتمع، وامتدت كذلك إلى مختلف المناطق على المستوى الجغرافي حتى لا تكون هناك فوارق كبيرة، بين مواطنيها من حيث الفرص المتاحة لهم، وبالتالي تحويلهم من مجرد "متابع" للأحداث إلى أطراف فاعلة ومشاركة في تقديم حلول للأزمات، سواء الراهنة أو المستقبلية، وبما يؤهلهم لجني الثمار التنموية في المستقبل.
الحوار الوطني ليس الحالة الوحيدة الذى تتجلى فيها حرص الدولة المصرية على تحقيق "السلام الاجتماعي"، فهناك العديد من المشروعات الهامة التي استهدفت فئات بعينها في المجتمع، في إطار العمل على تحقيق الشراكة المرجوة، على غرار مشروع "حياة كريمة"، والتي استهدفت تحسين حياة قطاع كبير من المصريين الذين عانوا ظروفا غير آدمية، وكذلك مبادرة "تكافل وكرامة"، ناهيك عن القرارات الأخرى التي تتخذها الدولة في وقت الأزمات لدعم مواطنيها، وهو ما بدا خلال حقبة كورونا كما أسلفت.
وفي واقع الأمر، فإن مفهوم "السلام الاجتماعي" لا يمثل أولوية ملحة للدولة المصرية فحسب، وإنما للعديد من دول المنطقة العربية، والتي تبنت مبادرة "الحوار الوطني"، منها الجزائر والسودان والعراق، باعتباره الوسيلة العملية لتحقيق المفهوم على أرض الواقع، حيث يبقى بمثابة الضمانة الحقيقية لتحقيق الاستقرار، وبالتالي إغلاق الطريق أمام أي محاولة من شأنها إثارة الفوضى، في إطار يعكس حالة من الانسجام بين الداخل والخارج، وكذلك التأثير الكبير للسياسات التي تتبناها الدولة، في إطار "جمهوريتها الجديدة"، على شركائها الإقليميين فى محيطها الجغرافي، ناهيك عن كونها شهادة دولية ضمنية بفاعلية النهج الذي تتبناه مصر في معالجة أزماتها.
وهنا يمكننا القول بأن "الحوار الوطني"، يبقى بمثابة التطبيق العملي لمفهوم "السلام الاجتماعي"، والذي يمثل مرحلة مهمة، في إطار حماية الدول من مخاطر الفتن والفوضى المترتبة عليها، خاصة في أوقات الازمات، والتي تمثل فرصة لجماعات بعينها لإطلاق الدعاية المغرضة والشائعات، بعيدا عن لغة التنظير السياسي المعتادة، حيث يمثل انصهارا لكافة مكونات المجتمع في بوتقة واحدة، بهدف تحقيق التوافق في قضية أو قضايا معينة ومن ثم الانطلاق نحو توسيع دائرته إلى قضايا أكبر لتحقيق المصلحة العامة للوطن والمواطن
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة