"يقولون دائمًا إن وجود الأبناء يهون قليلاً فقدان أحد والدينا، لكن هذا لم يحدث معى، عندي 3 أبناء وتوفيت والدتي منذ فترة ولم أتمكن من رؤيتها قبل وفاتها. من يومها أعجز عن مسامحة نفسي. فقدت الكثير من الوزن وأهملت صحتي ودائمًا أشعر بالذنب وبأني قصرت في حقها. لم أتخيل أن يحدث كل هذا. ولا يوجد عندي من أحكي له عن حزني. أتمنى أن أتكلم وأبكي لكن لا أحد يعطيني الفرصة. أنا تغيرت وأصبحت شخصية أخرى تمامًا ولا يوجد شيء غالي عندي أبدًا".
****
القارئة العزيزة، تتفاوت الصدمات وأثرها من شخص لآخر، لكننا جميعًا نمر بمراحل خمس بعد الصدمات القاسية، هى الإنكار أو عدم التصديق والغضب والمساومة والاكتئاب وأخيرًا التقبل، من المهم ألا تتعجلي الانتهاء من هذه المراحل الخمس بسرعة وامنحي نفسك الفرصة الكافية لتعيشي كل مرحلة وتنتهي منها. سؤالك وصرختك طلبًا للمساعدة مؤشر جيد للغاية على أنك فى مراحل التعافي، لكنك بحاجة إلى بعض المساعدة فى ذلك فالأسوأ على الإطلاق أن تمرى بكل هذا ولا تشعرى حتى أن هناك شيئا غير طبيعي يحدث، وألا تشعري بالقلق إزاء تغيرك.
وتقول د ريهام عبدالرحمن الباحثة في الإرشاد النفسي والتربوي جامعة القاهرة: إنه ليس هناك أصعب من فراق الأم؛ وتلك الحالة التي تعانينها تحمل ألمًا مضاعفًا فهي ليست فقط مشاعر الحزن على الفراق، بل مشاعر الذنب والإحساس بالتقصير في حق والدتك.
وسؤالي لكٍ سيدتي والذي لم أجد له إجابة في رسالتك هو، ما السبب المباشر لعدم رؤيتك لوالدتك؟ هل هو أمر خارج عن إرادتك كالسفر مثلا وعدم القدرة على المجيء؟ أم أن الأمر كان بإرادة منك، وهذا ما جعل مشاعر الذنب واللوم وتأنيب الضمير تفترس نفسيتك وتجعل منك بقايا إنسانة لا تقوى على الحب والعطاء حتى ولو لأقرب الناس إليكِ.
ما تعانين منه هو "وسواس الشعور بالذنب" نتيجة شعورك بالتقصير في حق والدتك وأنه كان باستطاعتك رؤيتها والوقوف بجانبها في أصعب لحظات حياتها، فضميرك يؤنبك لشعورك بالتخلي عنها. وبالتالي فعليكِ معرفة أن هناك نوعين من لوم النفس، نوع صحي يجعلنا نتراجع عن الخطأ ونتعلم منه ونصوبه، والنوع الآخر مدمر للنفس وللذات الإنسانية يجعل الإنسان يحتقر ذاته ويفكر بطريقة سلبية وينعزل عن الآخرين، ويصبح أسيرا لجلد الذات مسجونا في مشاعر الندم.
وحتى تتخلصي من هذه المشاعر السلبية هناك بعض الخطوات التي يمكن أن تساعدك، وأهمها أن تتقربي من الله وداخلك ندم حقيقي ونية صادقة على تصحيح الخطأ. وتصالحي مع الماضي واعلمي أن بر الوالدين ليس في حياتهم فقط، لكن أيضا بعد الوفاة بالدعاء لهم وزيارتهم، وصلة أرحامهم، وتوزيع الصدقات الجارية على أرواحهم، فالأم تشعر بأبناءها ولو بعد الوفاة، فمشاعرك ستكون أصدق وأعمق، وستكوني مثال جيد لأبناءك في برك لوالدتك.
وتجنبي ترك نفسك لأوقات الفراغ الطويلة، والانعزال عن محيط الأسرة فهي ممارسات سلبية تجعلك في دوامة من مشاعر اللوم وتأنيب الضمير القاتل، فقط استثمري أوقات الفراغ بخلق علاقات جديدة في حياتك،أو ممارسة مهارة من المهارات.
تحتاجين كذلك إلى التسامح مع الذات والتماس العفو لنفسك بعدم تكرار العبارات والأفكار السلبية واجترار الذكريات المؤلمة. وأنصحك أيضا باللجوء لمعالج نفسي متخصص للتحرر من مشاعر الغضب الذاتي، وتفريغ الطاقة السلبية الكامنة بداخلك لضمان صحة نفسية أفضل لكِ ولأبناءك.
وأخيرا، ليس هناك أغلى من نفسك عليك، أسعديها حتى تستطيعين إسعاد أبنائك فلا تسمحي لمشاعر اللوم والذنب بسرقتك من أبناءك، بالإهمال لمشاعرهم وعدم احتوائك لهم.
صفحة وشوشة
فى إطار حرص "اليوم السابع" على التواصل المباشر مع القراء، وتقديم الخدمات المختلفة والمتنوعة، أطلقت "اليوم السابع" خدمة "وشوشة" لتلقى أى استفسارات أو مشاكل نفسية أو اجتماعية أو تربوية، على أن يتم عرض المشكلات على الخبراء والمختصين الموثوقين ونشر الردود عبر الموقع الإلكتروني والجريدة.
يمكنكم التواصل معنا من خلال رقم واتس اب 01284142493 أو البريد الإلكترونى Washwasha@youm7.com أو الرابط المباشر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة