فى الخامس عشر من شهر سبتمبر من عام 625 تم زواج الإمام على بن أبى طالب وفاطمة الزهراء بنت النبى محمد، عليه الصلاة والسلام، وهو الزواج المبارك الذى أنجب لنا الحسن والحسين، رضوان الله عليهم أجمعين.وقد ذهب البعض إلى أن السيدة فاطمة، تزوجت فى سن الثامنة عشرة من عمرها، لأنها لم تكن جميلة، وهو ما رد عليه الكاتب الكبير، عباس محمود العقاد فى كتابه "فاطمة الزهراء والفاطميون":
المشهور المتواتر أن السيدة فاطمة بلغت سن الزواج والدعوة المحمدية فى إبَّانها، والمسلمون بين مهاجر أو مقيم غير آمن، والحال قد تبدلت بعد الدعوة المحمدية فأصبحت خطبة المسلمات مقصورة على المسلمين، وهؤلاء المسلمون قلة، منهم المتزوج ومنهم من لا طاقة له بالزواج، فلا حاجة بالمؤلف إلى البحث الطويل ليهتدى إلى السبب الذى يؤخر زواج بنت النبى إلى الثامنة عشرة، ولو كانت أجمل الجميلات.
وفى وسعه كذلك أن يتصور أن النبى يخصُّ بها ابن عمه، وينتظر بها يوم البَتِّ حين تهدأ الحال ويستعد ابن عمه للزواج ويستقر على حال بينه وبين آله الذين لا يزالون على دين الجاهلية، فلا هم فى ذلك الوقت ذووه ولا هم بُعداء عنه.
كل ذلك قريب كان فى وسع "العالم المحقق" أن يراه تحت عينيه، قبل أن يذهب إلى العلة التى اعتلها لتأخير الزواج، فلا يرى له من علة غير فقدان الجمال، ولكن الأسباب الواضحة القريبة لا يلتفت إليها؛ لأنها لا تعيب، والسبب الخفى البعيد تشوبه غضاضة، فهو الجدير إذن بالالتفات.
وكأنما كان "العالم المحقق" فى حاجة إلى جهالة فوق جهالته، فهو يفهم من بكاء السيدة فاطمة أنه شكاية من فقر على بن أبى طالب، ويسند هذا الفهم إلى رواية البلاذرى فى أنساب الأشراف، بعد زعمه أن فاطمة أُبلغت زواجها بعلى فسكتت من الدهشة لا من الخجل، وإنما دهشت، لأنها لم تكد تصدق أن أحدًا يخطبها بعد أن قاربت العشرين.
أفمن المألوف أو من التطبيق العلمى أن تكون الفتاة يائسة من الزواج، مدهوشة من خطبة الخطيب، ثم تتعلل العلل وتفرض الشروط وتستعظم نفسها على بنى عمومتها الفقراء، وليست هى يومئذ من الأغنياء؟
كلا! ليس ذلك بالمألوف ولا بالتطبيق العلمي، ولكنه تَمَحُّلٌ للظن فضيلته الكبرى أنه يشتمل على مساس بفاطمة وعلي. فهو إذن أحق بالترجيح من كل تقدير مألوف.
والبلاذرى — بعد — لم يذكر شيئًا من هذا، وليس فى كلامه عن مناقب على أو فاطمة شيء من قبيل الجواب الذى ينسب إلى الزهراء غير روايته الحديث بسنده وهو: "حدثنا عبد الله بن صالح عن شريك عن أبى إسحاق عن حبشى بن جنادة قال: لما زوج رسول الله ﷺ أرعدت، فقال: "اسكتي! فقد زوجتك سيدًا فى الدنيا، وإنه فى الآخرة لمن الصالحين".
هذا ما وجدناه فى النسخة المنقولة من مخطوطة الأستانة، ومن المطبوعة فى أوربا، فتفسير "الرعدة" بذلك المعنى إنما هو من إبداع المؤلف الحصيف!
هذا مثال من تحقيق هؤلاء المحققين حين يكتبون عن تاريخ أعلام الشرق وحوادثه، نَمُرُّ به لعبرته النافعة فى وزن التواريخ العصرية المزعومة، ولا ننبه إليه لقول قائل: إن السيدة فاطمة كانت محرومة من الجمال. فإنه لو صح لما كان فيه مهانة على سيدة شرفتها أكرم الأبوات كما شرفتها أكرم البنوات، ولكننا ننبه إليه؛ لأنه عبرة المعتبرين فيما يصنعه العقل بنفسه حين يمسخه مرض الأهواء، فيفترى على العلم والدين ما تأباه أمانة العلم، ويعافه أدب الدين.
ونعود إلى قياس الأخبار بالموازنة أو بما هو مألوف ومعقول، فنقول: إننا بحثنا عن خبر من أخبار زواج البنات فى آل محمد وآل علي، فلم تجد فى عصر النبوة غير واحد على قبيل الخبر الذى قيل فيه: إن السيدة فاطمة أشارت إلى فقر على حين بُلغت خطبته لها، وهو تزوج السيدة أم كلثوم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة