نقرأ معا اليوم كتاب "مغامرات مع لورانس فى جزيرة العرب" لـ لويل توماس، والكتاب صدرت ترجمته عن سلسلة (رواد المشرق العربى) ويحتوى مقدمة وثلاثة وثلاثين فصلا بترجمة رصينة، يروى الكاتب كيفية التقائه بلورنس فى القدس بعد ما سمع عنه الكثير من الأقوال التى غدت بمثابة الأساطير، فقرر أن يرافقه فى الكثير من حملاته لنسف القطارات وقتال الجيش التركى فى شمال جزيرة العرب وجنوبى سورياـ وكان يروى وقائع ما يراه بأم العين ويدون الحدث وكأنك تراه بعينك.
يقول الكتاب:
قد يكون توماس إدوارد لورنس Lawrence of Arabia أشهر من أن يُعرف، لكن محاولة تعريفه تصطدم بحقيقة أن العشرات من الكتاب والباحثين انقسموا حول شخصية (لورنس العرب)، فمنهم من يراه جاسوساً ذكياً اندسّ بين العرب لأغراض استعمارية، ومنهم من اعتبره أسطورة إنجليزية، وبين هؤلاء وأولئك، وقف فريق ثالث يحاول التوفيق بين الرّأيين، لقد حازت شخصية لورنس على تألّق فريد نتيجة لثورة الجدل التى قامت حوله ولا تزال، وعلى حجم مشاركته وأهميتها فى ثورة العرب الكبرى التى فجّرها الأشراف الهاشميّون أثناء الحرب العالمية الأولى.
والذين تناولوا شخصية "لورنس" من الغربيين اعتبروه أسطورة، وأوصلوه الى الذّروة، حتى وقف مع “نابليون، ونلسون، وتشرشل، وبرنارد شو" وغيرهم، كما اعتبروه ثروة قومية قام بكسر شوكة الأعداء من الأتراك والألمان، ممّا أدّى إلى تقسيم المنطقة العربية، وتقديمها لقمة سائغة للغرب.
أمّا الشّرقيون الذين كتبوا عنه، فقد حملوا فى أذهانهم صورة المستعمر والجاسوس البريطانى ومقسّم الأمّة ومحطّم دولة الخلافة الاسلامية وفاتح الشرق أمام المستعمرين البريطانيين والفرنسيين، فهو لا أكثر من شكل من أشكال المستعمرين، وإن كان قد قدّم نفسه بذكاء ودهاء إلى أن وصل إلى صانعى القرار وفعل فعلته وانسلّ.
وهنالك صورة رسمها لورنس لنفسه من خلال ما كتبه فى مذكراته وكتابيه، والوثائق التى أفرجت عنها وزارة الخارجية البريطانية. غير أنّ بداية ظهور أسطورة هذا الرّجل الغامض كانت فى محاضرة ألقاها فى كوفنت جاردن بلندن الكاتب والمغامر الأميركى لويل توماس بدءاً من 14 أغسطس من عام 1919، وبكتاب نشره عام 1924 فى كلّ من لندن ونيويورك بعنوان: With Lawrence in Arabia "مع لورَنس فى جزيرة العرب".
ومؤلّف الكتاب لويل توماس Lowell Thomas هو كاتب وصحفى ومذيع ومؤلف أميركى شهير، ولد فى وودينجتون بولاية أوهايو عام 1892 ومنذ كان فى العشرينات من عمره عمل مراسلاً حربياً فى أوروبا والشّرق الأوسط، إبّان الحرب العالميّة الأولى وحروبها الطّاحنة.
يعود إليه السّبق فى خلق أسطورة لورنس كبطل جماهيرى، باعتماد المبالغة والرّوايات الخياليّة والحبكات الدّراميّة التى يخالط الكثير منها بُعد شاعرى، ويرى الكثيرون من مثقفينا العرب أنّ ذلك كان ينطوى على مبالغة كبيرة وإغفال لدور العرب أنفسهم فى خوض الحرب وإدارتها، ونسب فضلها الأكبر للورَنس وزملائه من الضّبّاط.
وبعد ذلك اشتهر لويل توماس بأحاديثه الإذاعيّة على راديو CBS وبرامجه التلفزيونيّة التى بدأت منذ عام 1930 ودامت لجيلين كاملين منذ بداية عصر التلفزيون، وعدا ذلك صدر له أكثر من 50 كتاباً حول رحلاته ومغامراته القيّمة. ومنها هذا الكتاب الذى صدرت منه عشرات الطبعات وبيعت منه أعداد قياسيّة فاقت المألوف فى ذلك العصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة