لا يتورع المتطرفون على رمى المجتمعات بالإسلامية بالكفر ووصفها بالجاهلية، لكن كيف يرد رجال الدين المعتدلين على مثل هذه الاتهامات، هذا ما سنعرفه بعد اطلاعنا على سلسلة "رؤية" الصادرة بالتعاون بين وزراة الأوقاف والهئية المصرية العامة للكتاب.ومن هذه السلسلة كتاب "ضلالات الإرهابيين وتفنيدها" والذى فيه عنوان "الرد على ضلالة وصف المجتمعات الحالية بالجاهلية":
وهنا سؤلان، الأول: هل يصح إطلاق لفظ الجاهلية دون تقييد؟ والثاني: هل يصح وصف المجتمعات الحالية بهذه الكلمة (الجاهلية)؟
وفى الجواب عن السؤال الأول نقول :
لا يصح بحال من الأحوال، لأن الكلمة إذا أطلقت دون تقييد فإنها تشمل العقيدة والأخلاق والعبادات والمجتمع كله، إذ اللفظ العام ينصرف إلى كل أفراده، واللفظ المطلق يشمل كل أجزائه، ما لم تأت قرينة أخرى، ومن هنا يصير المجتمع كله عند وصفه بالجاهلية جاهلي العقيدة والأخلاق والعبادات والمعاملات والأحكام والسلوك، وهذا خطأ فادح، إذ أن جاهلية العقيدة لا تعنى غير الكفر والباقي قد يكون خليطا بين الكفر والمعاصي ومن المعلوم بديهة أن الإنسان إذا اعتقد أن حكم الجاهلية أحسن من حكم الله ومن شريعته التى أنزلت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فإنه يكفر بذلك، أما إذا اعتقد أن حكم الله هو الأفضل والأحسن لكن ظروفا تقوم مقام الضرورة اضطرته إلى العدول عنه إلى حكم آخر فإنه لا يكفر بذلك، والضرورة كما تعترى الأفراد تعتري الدول، مع الأخذ فى الاعتبار أن الضرورة تقدر بمقدارها.وفى الجواب عن السؤال الثاني نقول:
الجاهلية فترة من الفترات الزمنية، وقد عبر القرآن الكريم عن هذه الفترة - أعنى فترة ما قبل الإسلام - بالجاهلية، وهى الفترة التى سبقت الإسلام بنحو ما بين خمسين ومائة إلى مائتي عام.
ويرى بعض المتطرفين أنها ملة أو وصف لملة، ومن هنا يمكن أن تتجدد، وعندما ننظر فى قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لأبى ذر الغفاري رضى الله عنه "إنك امرؤ فيك جاهلية" وقوله صلى الله عليه وسلم "ما بال دعوى الجاهلية؟" عندما قالوا يا رسول الله كسع "ضرب" رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال "دعوها فإنتها منتنة" نرى أن البين من هذين الحديثين وغيرهما أنه يقصد بالجاهلية بعض السلوك والعادات، وليس الحكم على هؤلاء ولا غيرهم بالكفر، كما تذهب هذه الجماعات المتطرفة.
ولا يجوز مطلقا – أن يربط بين الحكم على سلوك فرد ما وبين الحكم على المجتمع كله بلفظ الجاهلية وأول قاعدة من قواعد الحكم على المجتمع بأنه مجتمع إسلامي: قبوله الإسلام دينا بالنص الرسمى، أو بالقول اللساني. وأبرز ظاهرة تدل على إسلامه وتمنع رميه بالكفر أو بلفظ الجاهلية هى إعلان الأذان للصلاة وشيوع شعائر الإسلام فى المجتمع.
وعليه فلا يجوز تكفير المجتمع بكفر قلة إن وقع، ولا وصفه بالانحلال العام، لانحلال قلة منه إن حدث، ولا رميه بالجاهلية لفعل شخص ما فعلا من أفعال الجاهلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة