تساؤلات عدة تدور حول سقوط الطائرة الأوكرانية، والتى أصابها صاروخ إيرانى، بعد إقلاعها من مطار الخمينى بالعاصمة طهران، تزامنا مع إطلاق صواريخ تستهدف قواعد عسكرية أمريكية بالعراق، الأسبوع الماضى، على رأسها ما إذا كانت عملية مقصودة، أو جاءت عن طريق الخطأ، لتثير أى إجابة منهما العديد من علامات الاستفهام، حول الكيفية التى يفكر بها صانعو القرار فى الدولة الفارسية.
فلو كانت طهران قصدت إسقاط الطائرة الأوكرانية، ربما نجد أنفسنا أمام معضلة التساؤل حول الهدف من وراء ارتكاب النظام الإيرانى مثل هذه الجريمة، فى مثل هذا التوقيت، خاصة وأن الطائرة الأوكرانية كانت تحمل مواطنين أجانب، معظمهم من الكنديين، وبالتالى فنصبح أمام جريمة مكتملة الأركان، أبرز أبعادها ما يمكننا تسميته بـ"الغباء السياسى"، خاصة وأن الخطوة العدائية لا تحرم طهران فقط من دعم الدول الأخرى، فى صراعها الراهن مع الولايات المتحدة، وإنما تقدم رسالة للعالم مفادها أنها دولة إرهابية، وهو ما يقوض أى أمل فى استقطاب الاستثمارات الأجنبية، حتى إذا ما تمكنت فى المستقبل من الوصول إلى تسوية مع واشنطن عبر اتفاق جديد.
وإذا كان الصاروخ الذى أسقط الطائرة قد جاء عن طريق الخطأ، وهو ما يبدو مستبعدا إلى حد كبير، فنصبح أمام شكوك كبيرة حول مدى دقة الصواريخ الإيرانية وقدرتها على تحقيق أهدافها، وبالتالى القدرات التسليحية للدولة الفارسية ككل، خاصة وأنه جاء تزامنا مع هجوم مقصود تستهدف به مناط خارج الحدود الإيرانية، وهو ما يثير جرس إنذار خطير حول ما إذا أطلق العالم العنان لـ"الملالى"، فى مواصلة تجاربهم الصاروخية، حيث ستتساوى المخاطر فى تلك اللحظة بين أصدقاء طهران وخصومها.
ولعل النفى الإيرانى لإسقاط الطائرة الأوكرانية، فى بداية الأمر، يزيد الشكوك حول النوايا المشينة للنظام الحاكم فى طهران، خاصة وأن استهداف الأجانب فى طهران يمثل جزءا لا يتجزأ عن الدبلوماسية الإيرانية، وإن كانت الطريقة تبدو مختلفة فى هذه المرة، حيث اعتادت الحكومة الإيرانية على اعتقالهم، باتهامات تدور فى معظمها حول التورط فى أعمال جاسوسية، إلا أن استهداف الطائرات المدنية بالصواريخ، ربما يمثل فارقة مهمة، ربما تقود الدولة الفارسية إلى مصير غامض ومجهول، فى المستقبل القريب.
وهنا يمكننا القول بأن السلوك الإيرانى ليس جديدا فى جوهره، وإن كان جديدا فى شكله، ليثير أبعادا تبدو جديدة لنظام الملالى، ربما سوف تساهم فى عودة العالم إلى الالتفاف حول واشنطن فى موقفه العدائى تجاه الدولة الفارسية، والذى بدا واضحا منذ اليوم الأول لتنصيب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، خاصة فيما يتعلق بدعوته لتوسيع نطاق الاتفاق، الذى سبق وأن أبرمته طهران مع القوى الدولية الكبرى، بحيث لا يقتصر على إمكاناتها النووية، وإنما يمتد إلى كافة قدراتها التسليحية الأخرى، وبالتالى كسر حالة التعاطف الدولى الذى حظى به الملالى فى السنوات الأخيرة.
طهران، بسلوكها "الغبى"، أضفت شرعية دولية لقرارات ترامب، بعيدا عن المؤسسات الدولية، ليس فقط فيما يتعلق بالاتفاق النووى، ولكن أيضا فى قراره الأخر بوضع الحرس الثورى فى قائمة التنظيمات الإرهابية، وهو القرار الذى أثار قدرا كبيرا من الجدل عند صدوره من قبل واشنطن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة