قبل ساعات من انطلاق الانتخابات البريطانية، ظهر رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون مرتديا "مريلة" مطبخ، فى أحد المطاعم بمدينة ديربى، متقمصا دور "الشيف"، ليقوم بصناعة كعكة أمام الحضور، لتحمل جولته الانتخابية الأخيرة، حسا فكاهيا، ربما غير معتاد بين الساسة فى العالم، بينما يعكس فى طياته أبعادا أخرى، أهمها محاولة التقرب من القطاع غير المسيس من البريطانيين، والذين قد يحملون اتجاهات محايدة، بعيدا عن الحسابات السياسية، والمنافسة الضيقة بين حزبى المحافظين، والعمال، فى ظل الانقسام السياسى حوله، حتى داخل حزبه، وهو ما بدا فى انشقاق قطاع كبير من البرلمانيين "المحافظين" عن الحزب مما أفقده أغلبيته التى كان يحظى بها فى البرلمان المنحل.
الظهور الغريب لجونسون ليس الأول من نوعه، فقد سبق له الظهور داخل مزرعة دواجن، بينما ظهر مرة أخرى فى أحد السجون، وكذلك فى تدريبات إحمائية بملعب كرة قدم، فى حين أن خطاباته الدعائية لم تكن كثيرة، ولم يقدم فيها الجديد، حيث دارت معظمها حول الأجندة التى تبناها، والتى تقوم على تحقيق خروج حقيقى من الاتحاد الأوروبى، بعيدا عن محاولات الالتفاف على إرادة البريطانيين التى سبق وأن عبروا عنها فى استفتاء 2016.
ولعل الخطاب الانتخابى لجونسون، والذى يقوم على دعم إرادة أغلبية البريطانيين، عبر تحقيق "بريكست" فورى، حتى ولو بدون اتفاق مع أوروبا الموحدة، يمثل استكمالا للصورة التى عمد رئيس الوزراء البريطانى الظهور بها، رغم غرابتها، والتى تدور فى إطار شعبوى بحت، حيث ركز على زيارة بعض الأماكن التى تمثل ركنا فى الاقتصاد البريطانى، كالمطاعم والتى يمثل مستقبلها محورا للحديث فى مرحلة ما بعد الخروج من عباءة أوروبا، أو مزرعة الدواجن، والتى تمثل إشارة لرؤيته حول التركيز على القطاع الزراعى والحيوانى، كسبيل لا غنى عنه، لتحقيق الاكتفاء الذاتى وعدم الاعتماد على الواردات القادمة من الخارج.
وهنا يمكننا القول بأن حملة جونسون الانتخابية تحمل فى طياتها رسائل، تهدف إلى طمأنة البريطانيين حول مستقبل بلادهم، فى مرحلة ما بعد الخروج، وهو الأمر الذى يشكل كابوسا فى عقول قطاع كبير من المواطنين، بينما حاول فى الوقت نفسه للظهور بشكل القريب من الشعب، بعيدا عن الخطابات السياسية التى ركز عليها خصومه، سواء من حزب العمال، أو حزب الديمقراطيين الليبراليين الوليد، والذى ولد من رحم المنشقين عن أحزاب بريطانيا الرئيسية.
حملة جونسون تقدم نموذجا سياسيا يبدو جديدا إلى حد كبير، ولكن مقياس نجاحها لا يتوقف على فوزه بالعدد الأكبر من المقاعد فى البرلمان، خاصة وأن وضعه يبدو أفضل من منافسيه، وهو ما أقرته استطلاعات الرأى التى سبقت الحدث الانتخابى، ولكن يتوقف نجاحها على قدرته على تحقيق الأغلبية المطلقة فى البرلمان، والتى سوف تفتح الباب أمامه لتحقيق خطته حول "بريكست"، دون معارضة داخل البرلمان الجديد، وذلك بعدما أزعجه البرلمان السابق مع بداية حقبته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة