الصورة التى انتشرت مؤخرا، فى أعقاب مقتل قائد فيلق القدس الإيرانى قاسم سليمانى، والتى يظهر فيها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى أحضان السيد المسيح، ربما تمثل نقطة فارقة فى الخطاب السياسى الأمريكى، على الرغم من أنها جاءت فى معرض الرد على صور شبيهة لقيادى البارز فى الحرس الثورى، والذى ظهر فيها فى أحضان الإمام الحسين بن على، إلا أن النهج الإيرانى فى التعامل مع مثل هذه الأحداث يبدو طبيعيا، فى ظل الرغبة فى تجييش المشاعر الدينية، وإثارة النزعة العدوانية المعتادة تجاه "الشيطان الأعظم"، لحشد المواطنين خلف النظام، وبالتالى تجاوز الغضب الداخلى تجاه السياسات التى يتبناها النظام.
"الخطاب المسيحى" ربما ليس جديدا تماما على الولايات المتحدة، فقد سبق وأن استخدمت إدارات سابقة مصطلحات دينية، لإضفاء صبغة من القدسية على سياساتها، على غرار إدارة بوش، والتى رفع شعار "الحرب المقدسة"، إبان غزوها لأفغانستان والعراق، فى أعقاب أحداث 11 سبتمبر، بينما أطلقت على العراق، وكوريا الشمالية، إيران لفظ "محور الشر"، فى إشارة إلى امتلاكهم لأسلحة دمار شامل، مما يساهم فى إضفاء قدر من الشرعية الدولية، على أساس دينى، على السياسات العدوانية التى تتبناها واشنطن على الدول الثلاثة، فى محاولة لمخاطبة شعوب العالم، خصوصا من دول الغرب الأوروبى.
إلا أن الأمر يبدو مختلفا إلى حد كبير بالنسبة لإدارة ترامب، حيث تبقى صورة الرئيس الأمريكى فى أحضان السيد المسيح، فى أعقاب استهداف قاسم سليمانى، بمثابة إشارة صريحة لإضفاء قدرا من القدسية على التحرك الأمريكى، والذى يعد بمثابة أحد دروب "الجهاد" بالمفهوم السائد، فى محاولة لإقناع الداخل الأمريكى، أكثر منه العالم الخارجى، بمباركة السماء، لتلك الخطوة، بعيدا عن الانتقادات التى يشنها خصومه الديمقراطيين فى الداخل، أو حتى المواقف الضمنية لبعض القيادات الدينية، وعلى رأسهم البابا فرنسيس، والذى أبدى امتعاضا جراء التوتر السائد، فى أعقاب مقتل سليمانى، داعيا إلى السلام والهدوء، دون الحديث صراحة عن الولايات المتحدة.
صورة ترامب فى أحضان المسيح تبدو إشارة أكثر وضوحا لمخاطبة الداخل الأمريكى، أكثر منه للعالم، خاصة وأن السياسات الأمريكية فى المرحلة الراهنة تبقى أحادية الجانب، على عكس ما كان عليه الحال إبان حقبة بوش، والذى اعتمد نهجا جماعيا بمساعدة الحلفاء الرئيسيين فى أوروبا، كما أن استخدام "الخطاب المسيحى"، لم يقتصر على الشأن الدولى، وإنما امتد إلى الصراع فى الداخل الأمريكى بين ترامب وخصومه الديمقراطيين، فى ظل تدشين ما يسمى بـ"التحالف الإنجيلى"، والذى يهدف إلى دعمه فى الانتخابات الأمريكية المقبلة، والمقررة فى شهر نوفمبر من العام الجارى.
استخدام الدين فى السياسة ربما ليس جديد فى السياسة الأمريكية، ولكن أصبح يحمل أبعاد أكثر اتساعا فى المرحلة الحالية، فى ظل الصراع الشرس الذى تخوضه الإدارة الحالية، والذى سعى خلاله الديمقراطيون، الذى طالما تشدقوا بليبراليتهم، إلى استخدام الدين لتشويه صورة الرئيس ترامب، عبر التشكيك فى ديانته المسيحية لمجرد عدم ترديده لـ"قانون الإيمان" المسيحى بصوت عال، خلال جنازة الرئيس الأسبق جورج بوش الأب، فى محاولة للنيل من قاعدته الشعبية بين المسيحيين الأمريكيين، وبالتالى تسعى الإدارة إلى استخدام المصطلحات الدينية بشكل أكثر فجاجة لمجابهة الحرب التى يشنها خصومه بصدده.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة