على الرغم من الانطلاقة القوية للاتحاد من أجل المتوسط، فى عام 2008، والذى تأسس لحماية مصالح المنطقة المطلة على البحر المتوسط، أمنيا واقتصاديا، إلا أن العديد من المعطيات ربما دفعت إلى خفوته لسنوات طويلة، على رأسها الدوران الأوروبى فى فلك إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، والذى اعتمد الفوضى سبيلا لتحقيق الرؤى الأمريكية فى الشرق الأوسط، وهو الأمر الذى أدى إلى ارتباك المشهد المتوسطى بصورة كبيرة، فى ظل تدفق اللاجئين إلى دول القارة العجوز، هربا من الحروب الأهلية، عبر البحر المتوسط تارة، أو من خلال الحدود التركية الأوروبية تارة أخرى، وهو الأمر الذى تقبله قادة أوروبا فى سنوات ما بعد "الربيع العربى" تحت ذريعة حقوق الإنسان، ودعم ما يسمى بـ"الثورات"، وغير ذلك من الشعارات.
إلا أن سرعان ما استفاقت أوروبا "العجوز"، على كوابيس عدة، جراء سياساتها، سواء أمنيا، عبر تسلل عناصر إرهابية بين اللاجئين لتنفيذ ضربات غير مسبوقة فى العمق الأوروبى، من جانب، أو حتى على الجانب الاقتصادى، فى ظل مزاحمة قطاع كبير من الوافدين القادمين من مناطق الفوضى، المدعومة من دول الغرب، للمواطنين فى فرصهم الاقتصادية، مما خلق حالة من الثورة زحزحت التيارات الليبرالية من مقاعد السلطة، لصالح تيارات جديدة، ربما لم تكن على خارطة السياسة فى العديد من الدول.
وهنا يمكننا القول بأن الارتباك الأوروبى الحالى على العديد من الأصعدة، يرجع فى جزء كبير منه إلى حالة الإهمال لمنطقة المتوسط، والذى يمثل أحد المداخل المهمة للقارة، وبالتالى فإن التطورات التى تشهدها أحد ضفتى البحر المتوسط، لابد أن تترك تداعيات على الضفة الأخرى، وهو ما بدا بوضوح فى السنوات الماضية.
ولعل الاتفاقية غير الشرعية التى وقعها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، مع رئيس حكومة الوفاق الليبية، تمثل جرس إنذار جديد، لمنطقة المتوسط، فى ظل أطماع تركية معروفة للجميع، للسيطرة على ثروات المنطقة، بالإضافة إلى تحقيق التوسع عبر دعم الميليشيات الإرهابية، وبالتالى تكرار السيناريو السورى فى ليبيا من جديد، مما يهدد بمزيد من اللاجئين ليطرق الإرهاب أبواب القارة العجوز من الجديد.
التحركات التركية المشبوهة فى ليبيا، والتى تمثل تهديدا اقتصاديا لدول أوروبية، على رأسها قبرص واليونان، فى ظل رغبات أنقرة فى مزاحمتها فى مناطقها الاقتصادية، بالإضافة إلى تداعياتها الأمنية على أوروبا بأسرها، تثير الحاجة الملحة إلى إعادة ترتيب أولويات التعاون بين دول المتوسط، سواء عبر الاتحاد من أجل المتوسط، أو من خلال آليات أخرى، لحماية مصالح المنطقة الحيوية، والتى تمثل أحد أهم مراكز العالم، وبالتالى فإنها تبقى منطقة مؤثرة، على العالم بأسره.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة