الأزمة فى الملف السورى أنه لا يحتوى على قضية واحدة مثل التحرير ومن ثم إعادة البناء، ولكنه ملف يحتوى على العديد من القضايا التى تتداخل وتتشابك مع بعضها لتجعل الملف السورى هو الملف الأكثر تعقيدا ضمن ملفات عديدة تملأ منطقة الشرق الأوسط، ومن القضايا الهامة ضمن الملف السورى قضية الطاقة والبترول، ففى الأسابيع الماضية رفع الأمريكيون من مستوى حصارهم النفطى بما انعكس على الحركة الاقتصادية السورية التى مازالت تعانى من وطأة حرب استمرت ثمانى سنوات وفى انتظار أن تجد الدولة السورية وملفاتها حلولا عملية للتحايل على العقوبات الجديدة لاسيما تلك التى استهدفت سفن نقل المواد البترولية. الحقول السورية كانت تنتج قبل الحرب ما معدله 400 ألف برميل يوميا، وفى عام 2011 تراجع الإنتاج النفطى السورى إلى حوالى 270 ألف برميل مع تراجع الموارد فى الآبار القديمة، بالإضافة ؤلى سيطرة تنظيم داعش على الحقول فى المناطق التى خضعت لسيطرته خلال السنوات الماضية، ثم وقوع العديد من الآبار تحت الاحتلال الأمريكى فى شرق الفرات، ويحدد المراقبون كمية ما تنتجه سوريا حاليا بحوالى 25 ألف برميل يوميا، أى ما يوازى 10% من احتياجات السوق السورية.. وفى المقابل رفع الأمريكيون سقف حصارهم عن طريق الملحق الاقتصادى الأمريكى الشركات التى تمتلك حقوق تشغيل مصافى البترول فى القضية، ومنع أحد أكبر موردى النفط فى المنطقة من إرسال بواخر البترول إلى سوريا ووصل الأمر إلى تعطيل شبكات روسية عدة استطاع الأمريكيون تعطيل قدرتها على العمل، وفى المقابل يزيد من حدة الأزمة أنه لا توجد كيانات بديلة لنقل النفط، وأيضا لا تستطيع الشركات الصينية التعاون خشية العقوبات الأمريكية.
أزمة الطاقة التى تواجه سوريا تأخذ أبعادا عديدة، فالواشنطن بوست تشير إلى أن الولايات المتحدة استطاعت بطريقة غير مسبوقة إيقاف العمليات المستمرة فى كسر الحصار المفروض على سوريا والمتعلقة بتدفق النفط الخام إليها.. واستطاعت، حسب تعبير الصحيفة، أن تصيب شريان النفط الإيرانى الواصل إلى سوريا.. ونجحت أمريكا فى منع حوالى 66000 برميل يوميا من الوصول إلى السوق السورى، وهو رقم كبير عندما نقارنه بإجمالى ما تنتجه سوريا حاليا والبالغ 24 ألف برميل يوميا.. العقوبات الأمريكية والحصار البترولى يزيد منه أن نفط الشمال مازال أغلبه تحت سيطرة الأكراد، وهم أيضا مدعومون من أمريكا.. كل ذلك أدى إلى ظهور أزمات فى محطات الوقود السورية فى العاصمة وما حولها وإلى انتشار تجارة السوق السوداء فى النفط، وتشير التقارير إلى أن السوريين قد بدأوا التأثر الفعلى بتلك العوامل التى أدت إلى نقص الطاقة وارتفاع ثمنها داخل سوريا.. والأمريكيون عندما يوقفون التدفق اليومى للبترول الإيرانى إلى سوريا ينجحون أيضا فى تخفيض عائدات إيران من نفطها المصدر من أجل زيادة الضغط الاقتصادى على إيران، وثم خلال الفترة السابقة تحديد حوالى 30 ناقلة فقط وغاز تعمل لصالح سوريا وتم وقفها.
القضية الأخرى فى الملف السورى هى الوضع العسكرى، ففى حين قال ترامب إنه تم القضاء على داعش يؤكد وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف أن الحرب فى سوريا لم تنته، ويجب على الإرهاب خاصة فى إدلب والتى تعد آخر معقل للجماعات المسلحة فى سوريا بعدما استطاع الجيش السورى السيطرة على كامل الأراضى التى كانت خاضعة لداعش أو الجماعات والتنظيمات الإسلامية المسلحة باستثناء جزء تتواجد فيه قوات أمريكية، المناطق التى تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية بشرق الفرات.. الوضع العسكرى فى سوريا متشابك ومعقد، فالجيش السورى استعاد سيطرته على غالبية الأراضى السورية، ولكن هناك التواجد التركى والذى يستغله الأمريكيون ويدعمونه، ورغم خلافات الرأى فى بعض القضايا فإن الخبراء يؤكدون أن الشراكة الجيوستراجية المهمة كانت ولاتزال موجودة بين واشنطن وأنقرة.. وتسعى تركيا من خلال دعمها لبعض الفصائل إلى إقامة منطقة آمنة منزوعة السلاح لا تسيطر عليها الحكومة السورية، وتهدف تركيا إلى إبعاد السلاح الثقيل عن الحدود المشتركة مع سوريا، ويؤكد الأمريكيون أن المنطقة الآمنة هى التى ستتيح إقامة دولة موحدة وديمقراطية، ولكن خالية من التنظيمات الإرهابية والتى ترى تركيا أن الأكراد ممثلون لهذه التنظيمات وتخشى من خطورتهم عليها خوفا من انضمام الأكراد الأتراك لهم وكذا العراقيين حال وصولهم إلى السيطرة على الشمال السورى والذى يمثل حينها خطورة قوية على الحدود التركية.
قضية أخرى تواجه إصلاح الملف السورى، وهى المعارضة التى انتشرت فى الريف الغربى لدمشق حتى القنيطرة والتى تشكل عناصرها المنتشرة فى قرى خان ارنبة وجبا ومسحرة ونبع الصخر وغديرالبستان، والذين يكونون القاعدة المهمة لحزب الشعب الذى ينادى بالتعددية الحزبية وحرية التعبير واتخاذ مواقف سياسية مع الوضع الراهن، وأغلب أعضاء الحزب والمنتمين حديثا يتلقون مبالغ مالية تحت بند المساعدات، وعن طريق ذلك يتم أيضا استقطاب وجهاء العشائر، ورغم عدم وجود مقرات للحزب فى القنيطرة لوجود مقره الرئيسى فى دمشق فإن انتشار عضويته فى الريف أسرع وأكثر، ويؤكد مراقبون أن هناك تنظيمات سرية عديدة تعمل بشكل عادى فى الشارع السورى، ويتوافق معظمها مع أفكار حزب الشعب الذى لا يقف وحيدا فى الساحة، بل تنافسه جمعيات يصفها البعض بالمشبوهة وتقوم بتقديم مساعدات للشباب وجذبهم بمشروعات مشبوهة، ومنها جمعية النور فى القطاعين الأوسط والجنوبى من القنيطرة ومركزها خان ارنبة.
إذن نحن أمام العديد من الملفات الشائكة وكلها تصب فى مواجهة الرئيس السورى ومحاولاته العودة بسوريا إلى ما قبل 2011، وتتواصل العقبات أمامه، فبعد إعلان ترامب الجولان أرضا إسرائيلية تحاول تركيا إقامة منطقة آمنة فى الشمال، ويعود تنظيم داعش من خلال العديد من العمليات إلى الظهور عبر عناصر متبقية فى الصحراء السورية ومناطق فى الكوم شمالى تدمر، وبالقرب من حمص الشرقية، وأيضا من خلال نصب أكمنة فى دير الزور وحمص.. قضايا عسكرية كان بشار الأسد يأمل فى حسمها، بالإضافة ؤلى ضغوط وحصار اقتصادى من أمريكا ودول غربية، ثم ظهور تنظيمات سياسية معارضة وعديدة فى الشارع السورى، كل ذلك من المؤكد أنه سيؤجل حسم الموقف السورى وإن كان الواقع يقول إن السوريين فى الغالب يقضون هذا العام رمضان مختلفا عن رمضان فى السنوات الثمانى السابقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة