قرية تونس إحدى القرى التى قدر لها أن تتخلص من البطالة بفضل الفنانة السويسرية إيفيلين بيوريه فالقرية التى تبعد حوالى 60 كيلو متر عن مدينة الفيوم وتتبع مركز يوسف الصديق حولتها الصدفة من قرية ريفية بسيطة شديدة الفقر آلة قبلة للجمال والفن والطبيعة الخلابة يتجه إليها عشاقها من جميع أنحاء العالم وأجبرت العديد منهم على ترك بلادهم من دول العالم الأول ليقيمون فيها.
الأعمال الخزفية بعد تصنيعها وعرضها للبيع داخل القرية
قرية تونس بمجرد أن تصل إليها قد لا تصدق نفسك إنك فى قرية مصرية أو مكان على وجه الأرض، قد تتخيل للحظات إنك تقف وسط لوحة فنية لفنان عالمى ولكنك سرعان ما تدرك أن هذا الإبداع لا يمكن أن يكون إلا من صنع الله تعالى حيث تقف فتنظر الى الزرع والخضرة الخلابة بعدها تأخذك عيناك إلى المياه الزرقاء لبحيرة قارون وسرعان من يلفت انتباهك اللون الأصفر لصحراء شمال البحيرة.
موقعها الممتاز لم يكف أن تلتفت أنظار المسئولين الى القرية لسنوات طويلة ظلت قرية ريفية بسيطة ينتشر بها الفقر والمستوى المتدنى للتعليم إلى أن جاءت إليها فى زيارة السويسرية أيفيلين بوريه ومن هذا الوقت قدر لتونس أن تتحول الى أعظم قرية مصرية وقبلة عالمية للفن.
الأعمال الخزفية بعد تصنيعها وعرضها للبيع داخل القرية
ففى منزل يغلب عليه الطابع الفنى وأساسه الطابع الريفى البسيط يحيط به سور من الحجر والطوب اللبن يتوسط مناظر طبيعية خلابة من الأشجار والنجيل يطل على بحيرة قارون، تعيش إيفلين بوريه السويسرية الأصل والتى أكملت الرابعة والسبعون من عمرها، قضت منهم 48 عاما فلاحة مصرية فى بيتها الريفى بقرية تونس التابعة لمركز يوسف الصديق بالفيوم، عشقت مصر فتركت بلدها سويسرا أكثر بلاد العالم تحضرا وجاءت إلى أقصى ريف مصر لتعيش فلاحة مصرية ترتدى ملابسها وتسير حافية القدمين وتأكل الطعام الريفى وتشرب من مياه الطلمبة وتنير منزلها بلمبة الجاز، وتشبع هواياتها فى صناعة الفخار والخزف، حيث أقامت ورشة فى جزء من منزلها لتعليم الأطفال صناعة الفخار.
أم أنجلو كما تحب أن يناديها أهالى قرية تونس خريجة فنون تطبيقية جاءت إلى مصر فى أوائل الستينيات مع والدها حيث كان عمله، عشقت الحياة بها فقررت قضاء بقية عمرها بإحدى قراها منذ عام 1965.
السيدة إيفيلين السويسرية تمارس مهنتها المفضلة فى مدرسة الخزف
عندما حضرت إلى هذه القرية بصحبة زوجها فى ذلك الوقت الشاعر الغنائى سيد حجاب وأعجبها المكان، والذى تؤكد أنه قد سحرها وقررت الإقامة فيه طيلة حياتها بل أنها كما تذكر تتمنى أن تدفن فى حديقة المنزل بعد وفاتها ولا تفكر فى العودة لبلدها الأصلى سويسرا إلا للزيارات فقط .
عاشت إيفلين كما تقول بين فلاحات القرية كواحدة منهن ولمدة 10 سنوات حتى عام 1975 بدون كهرباء أو مياه واستخدمت لمبة الجاز فى إضاءة منزلها وشربت من مياه الطلمبة وعاشت سنين طويلة بدون تلفاز ولم تشتريه إلا بعد إلحاح ولديها أنجلو وماريه من زوجها الحالى الفرنسى الجنسية ميشيل باستورى.
السيدة إيفيلين السويسريه أثناء عملية صناعة الخزف
انغمست فى الفلاحة الفيومية وتتحدث اللهجة بلكنة فيومية وتقول "الدحية" أى البيضة "والشوحة" أى عامود الإنارة، والشِكل بكسر الشين أى العصا.
إيفلين لا ترغب كثيرا فى أحاديث الصحافة معتبرة ذلك مضيعة للوقت بالنسبة لها وقد يشغلها عن أداء عملها فتقول: "أنا مشغولة ومش فاضية كل شوية ضيوف وزوار، لكنها سرعان ما تهدأ وتبدأ فى سرد قصتها وحكايتها مع قرية تونس حيث تعيش، ويتوسط حديثها الإفشات والضحكات ثم تلقى بمشاكلها ولا تتركك قبل أن تطلعك على أعمالها من الفخار والخزف لمشاهدة معرضها البديع داخل المنزل الريفى الجميل وورشة الفخار وتصر على أن تلتقى بأطفال القرية الذين يعملون بالورشة لتأصل فيهم روح العمل وأهميته وتدعوك لزيارة معرضها للفخار بالقاهرة أو معرض زوجها الخاص بالملابس، ومثل كل الفلاحين تستيقظ مبكرا بل أن ولدها كما تقول الأكبر أنجلو لم يدخل المدرسة وانتظم بعد ذلك فى فصول محو الامية يتعلم اللغة العربية، وتكره من يتحدث أمامها بالإنجليزية أو الفرنسية.
السيدة إيفيلين بعد انتهاء عملية التصنيع
وتشير إلى أنها مثل معظم الفلاحين أصيبت وأولادها بالبلهارسيا وتم علاجهم منها وتقضى أغلب ليلها فى القراءة وتعشق الاستماع إلى أغانى فيروز.
وتنتقد إيفلين بعض الأوضاع والعادات فى الريف فتقول عندما جئت إلى تونس كانت هادئة والمنازل قليلة جدا والجمال والسحر يسيطران عليها الآن تحولت إلى ما يشبه المدينة فى ضوضائها .
مشكلة إيفلين فى مصر حسبما تؤكد هى الإقامة وتقول عندما كنت زوجة لـ سيد حجاب المصرى كان من السهل الحصول على الجنسية المصرية لكن الفرصة فاتتنى بعد انفصالى عنه حيث لم أفكر وقتها فى هذا الأمر وحتى الآن ورغم مرور 48 عاما على إقامتى فى قرية تونس فلاحة مصرية إلا أن الحكومة ترفض منحى الجنسية رغم أننى أقوم بسداد كافة الالتزامات المالية تجاهى من ضرائب وتأمينات وخلافه إلا أننى أعيش بتصريح يجدد كل عام، وتنهى حديثها بجملة بالعامية "نفسى أخد الجنسية المصرية".
الصناعات الخزفية قبل بيعها فى الأسواق
إيفلين كان لها تأثير واضح فى المجتمع الريفى وقد أقامت داخل منزلها ورشة لصناعة الفخار والخزف يتعلم فيها أبناء القرية هذه الحرفة ، ولم تبخل بشىء وساعدت كثير فى إقامة ورش مستقلة لهذه الصناعة .
يقول محمود الشريف أحد أصحاب المعارض بقرية تونس ،إننا جميعا فى لقرية تعلمنا على أيدى مدام إيفيلين التى حولت شباب القرية الى مبدعين وفنانين فقد بدأت معنا منذ ما يزيد عن 20 عام وقامت بجمعنا وأنشأت لنا مدرسة بمنزلها لتعليمنا صناعة الخزف والفخار ومنحنا وبعدها اتفقت معنا على منحنا مقابل مادى للمنتجات وكانت تتعمد خلال تعليمنا أن تغرس بداخلنا قيم ومبادئ الحب والتراحم بيننا والاعتماد على أنفسنا وذلك من خلال النقاش معنا طول الوقت.
واستطرد محمود قائلا :"لم تكن إيفيلين يوما انانية كمعظم أصحاب الأعمال لكنها على العكس تتميز بالعطاء فعندما كبرنا وبدأ كل منا يفكر فى الاستقلال بذاته وعمل ورشة خاصة ساندتنا ووقفت بجوارنا واتفقت لنا مع أصحاب الأماكن التى تشترى منها المواد الخام بالقاهرة ،كما ساعدتنا فى اقامة معارض عالمية بالعديد من الدول.
وعن التعليم بالقرية قال محمود الشريف، إن نسبة التعليم ليست عالية وهناك تسرب من التعليم والتلاميذ يفضلون الالتحاق بمدرسة تعليم الفخار والخزف لدى أم انجلو عن الالتحاق بالمدارس بعد ما حققناه من نجاحات وإنجازات وكثيرا منهم بمدرسة الفخار ثم يتعلمون عن طريق فصول محو الأمية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة