هل يمكن لنا أن نستفيد من كتاب فلسفى عن الأخلاق تم وضع مادته فى بدايات القرن العشرين؟ هذا السؤال نصل إلى إجابته بعد الانتهاء من قراءة كتاب "التربية الأخلاقية" لفيلسوف علم الاجتماع دور كايم والذى صدرت ترجمته العربية عن المركز القومى للترجمة من ترجمة السيد محمد بدوى مراجعة على عبد الواحد بدوى تقديم محمد الجوهرى.
وحسب مقدمة الكتاب فإن دور كايم اعتمد فى نظريته على تحديد أسس التربية الأخلاقية، وهو يوضح بكل جلاء أن التربية الأخلاقية يجب أن تعتمد بنفس القدر وبنفس الشكل على عنصرين اثنين، فيجب أن يكون هناك، من ناحية، نظام معين لتنظيم السلوك، وهكذا تمثل روح التنظيم العنصر الأول فى النظام الأخلاقى. ومن ناحية أخرى يجب على الإنسان لكى يكون كائنا أخلاقيا أن يتعلق بشيء آخر غير ذاته هو، فيشعر بالتماسك مع مجتمع معين وبالارتباط الوثيق به.
وجدير الذكر أن هذه المحاضرات فى "التربية الأخلاقية" هى أول ما ألقى دور كايم من دروس فى السوربون فى علم التربية، وكان ذلك فى عام 1902 -1903 وكان دور كايم قد شرع فى إعدادها منذ زمن بعيد فى أثناء قيامه بالتدريس فى جامعة بوردو، ثم أعاد إلقاءها بعد ذلك، كما حدث فى عام 1906 -1907 بدون أن يغير فيها شيئا.
وتأتى هذه المحاضرات فى 20 درسا، لكن الكتاب لا ينشر منها هنا غير ثمانية عشر ، لأن الدرسين الأولين يعالجان مناهج البحث فى علم التربية، والجزء الأول من هذه المحاضرات هو أكمل ما كتب دوركايم عما يسمى "الاخلاق النظرية" وينتظم البحث فى نظريات الواجب والخير والاستقلال الذاتى.
وقد كان الواجب أن يشمل الجزء الثانى من المحاضرات ثلاثة أقسام حتى يتحقق التماثل بين الجزئين: قسم يبحث فى روح النظام والثانى فى روح التفانى، والثالث فى الاستقلال الذاتى للإرادة، لكن البحث الأخير من البحوث الثلاثة لم يظهر فى هذه المحاضرات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة