فى رسالته السنوية إلى الأدباء والكتاب العرب، بمناسبة يوم الكاتب العربى الموافق الحادى عشر من ديسمبر، الذى يصادف يوم ميلاد الكاتب العالمى نجيب محفوظ، وجه حبيب الصايغ الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب رسالة إلى الأدباء والكتاب العرب.. هذا نصها: "نريد أعماراً لكتابة فلسطين.. يوم الكاتب العربى فى عام القدس، فى زمن القدس، حيث ربما فرقتنا، نحن الكتاب العرب، القضايا والانشغالات، وحيث لم توحدنا ولا توحدنا، يقينا إلا فلسطين، هذه الشاهدة علينا وعلى أحزاننا وانكساراتنا، وأيضا على ذلك الشُعَاع النحيل فى عين كل منا وفى قلبه".
وتابع "الصايغ": "القدس تنادينا، فيكفى تأجيلا! هكذا استيقظ عربى فى أقصى المغرب من نومه مفزوعا، فجاوبه، وتجاوب معه، عربى آخر فى أقصى المشرق، ولم يكونا يحلمان. عربى ثالث كان يحلم بهما، ويحاول تأجيل موعد قيامه من النوم قليلا، وبالتالى، ساعة الدوام، والبيروقراطية، والروتين، والملل".
وأضاف الصايغ: "شهيتنا يا أيام يا شهور يا أعوام، نحن الكتاب العرب، لحفلة التعارف، لا تنتهى، لكن أعمارنا، بالتأكيد، لا تكفى، بين البيت والعمل، وبين الحب والمرض، وبين الحياة والموت. أعمارنا القصيرة، مهما طالت، لا تكفى، فكيف إذا كانت منذورة، بهذا الشكل الصارخ وكأنه الضجيج، للقدس ولكتابة القدس، ولفلسطين ولكتابة فلسطين، بين كل موت مفاجئ وكل حياة مفاجئة".
وقال حبيب الصايغ: "لن نعيش الماضى إلا إذا عشنا المستقبل، ولن نعيش المستقبل إلا إذا كان ملء المضارع، وملء فلسطين. فلسطين وحدها يمكن أن تمنحنا الدليل على صحة الماضى والحاضر حتى ندخل فى المستقبل غير مدججين بالريبة والخوف".
وأضاف الصايغ: "نريد أعمارا تكفى لكتابة فلسطين، أعمارا قادرة على تجاوز مسافات الركض، نحو فلسطين، بين الخيال والخيلاء، فقد أتعبنا الحاضر ونحن نقف صفوفا صفوفا إلى جانب الغفلة لأخذ صورة تذكارية، وحين نقبل على غدنا، غد البراهين والبراكين، بوعى كتابة القدس وفلسطين، نصل إلى أنفسنا أسرع، ونحب أوطاننا أكثر، ونتمسك بقيمنا وشيمنا العربية أبعد، والمهم، الأهم، ألا نحول فلسطين وكتابتها إلى قضية موسمية، ولا نسجن كتابة فلسطين فى أية مناسبة، مهما دقت أو جلت، ففلسطين هى فلسطين، وهى لا تختزل فى القدس على أهمية القدس، كما أن القدس لا تختصر فى المسجد الأقصى على أهميته. فلسطين هى فلسطين، الفكرة والجهة والبوصلة، رمز اعتزازنا، وعنوان أسمائنا، فلتكن القدس وهى فى قلوبنا وفى قلب قضيتنا الأولى والمركزية، معنانا على الدوام، كما فلسطين، قبل وعد بلفور وبعده، وقبل وعد ترامب وبعده. ونريد أعمارا إلى جانب أعمارنا، أعمارا بالإضافة، وأعمارا لا تتكدس فى الأدراج أو على الرفوف، ولا تتبخر، آخر النهار، كبخار الماء. نريد أعمارا تتهيأ لنا ولتطلعاتنا وأفكارنا ونزواتنا منذ الصباح الباكر.نريد أعمارا تعرف كيف تخاطبنا بأسمائنا وعناويننا الصحيحة، وتعرف كيف تستقبلنا واحدا واحدا منذ الصباح الباكر من دون أن نقف فى الطابور. نريد أعمارا ذكية ومدربة ومجربة، أعمارا تكفى لكتابة القدس ومجد فلسطين.لا نريد وقتا يمضى سريعا وكأنه مجنون، ثم يحاسبنا على أيامنا الضائعة وكأننا مجانين".
واستكمل الصايغ: "الوقت الإضافى لا يسعفنا والمشاريع طويلة، والأحلام تملأ البيوت والسقوف والشوارع والساحات، ولا وقت كافيا للعمل اليومى والنوم والحب والموت، فهلا اجتمعنا منذ اليوم، وأكثر من أى يوم مضى، خارج المواعيد المرسومة والمواسم الملفقة، على مطلبنا الجمعى".
وأوضح حبيب الصايغ: فى داخل كل عربى فلسطين، وفى داخل كل إنسان حقيقى فلسطين، وكل إنسان، وهذا قدر بقدر ما هو ضرورة، وضرورة بقدر ما هو قدر، "يشيل" فلسطين على ظهره، ويظل يحملها، عبر الأيام والعقود، وكأنها صرة من وطن وأمل.
وأضاف "الصايغ" أن يوم الكاتب العربى، سنة القدس، زمن فلسطين، فلتعبر كتابة فلسطين عن نفسها بلا قيود، لتكن العاطفة والعاصفة، لتكن العبارة والشرارة، ولتكن الحرف والكلمة والأبجدية، لتعانق كتابة فلسطين مصابيح الشوارع ولافتات وإشارات المرور، ولتغنى على ألحان الأشجار والأغصان، ولنردد على ألسنة العمال والموظفين وربات البيوت ومشجعى كرة القدم.فسلاما أيتها الأوقات الفلسطينية العصيبة لكن المستبشرة والمبشرة، سلاما أيتها البروق المكتوبة فى مواضيع إنشاء أطفال فلسطين، سلاما أيتها الجثث المكتوبة فى العيون والشفاه، سلاما يا نبض الحياة حتى فى الحجارة، سلاما.
وقدم "الصايغ" التحية فى يوم الكاتب العربى، عام القدس، زمن فلسطين، إلى الكاتب العربى فى كل مكان فى الوطن العربى، وفى كل مكان على ظهر الكوكب، وتحية خاصة، محملة بعطر الورد والشوق والحنين والفخر إلى الكاتب الفلسطينى فى فلسطين وفى كل مكان، كما إلى شهداء فلسطين وأمهات الشهداء، وكما إلى الجرحى والمصابين، كما إلى الأسرى فى سجون المحتل الغاشم وهو يثبتون حريتهم كل يوم، وكم أن سجانهم هو،حقا، المسجون.من وعى القدس وفلسطين، ومن احترام القارئ وعقله وخباله، تبدأ رحلة الكتابة، وتنطلق خيولا وفصولا.ومن وعى القدس وفلسطين، تكتسب كل كتابة احترامها، وتنزع نحو الجدية والأصالة والمعاصرة والعمق والإبداع والتفرد والذوق والرشاقة والصدق والعذوبة والوضوح والغموض والحضارة والحضور والحاضر والمستقبل والتجاوز والانتماء والوطنية والبوح والحب والصداقة والأخوة والمعنى والشكل والأخلاق والشجاعة والمفارقة والمجد والخلود والصعود والضمير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة