يقول الدكتور عادل الطويل، المستشار الإدارى فى تعليق له على الخبر الذى نشرته الصحف مؤخراً حول مقترح "التدريب التحويلى" الذى يتيح للحكومة إعادة توزيع موظفى الجهاز الإدارى بالدولة، البالغ عددهم 6,5 مليون موظف للاستفادة منهم بالشكل الأمثل بدلاً من الأعباء على كاهل الموازنة العامة.
"لقد تم ندبى للعمل فى إحدى الوزارات لتقديم التدريب اللازم الموظفين وكان مبنى الوزارة يحتوى على 460 موظفا فى ذلك الوقت منهم 52 مديرا و18 مديرا عاما و27 كبيرا و3 رئيس قطاع وواحد رئيس إدارة مركزية، وفى أول لقاء تم الاتفاق مع جميع العاملين كبيرهم وصغيرهم على الإنتاج بما يرضى الله لدرجة أن جميع الموظفين أقسموا على المصحف أن يؤدى كل واحد منهم العمل كما ينبغى طول الشهر، وفى نفس الوقت قام بتوزيع استمارة على الموظفين يكتب فيها كل موظف بنفسه وصف مختصر للعمل الذى قام به طول الشهر- وفى نهاية الشهر اجتمع مع الموظفين لفحص تلك الاستمارات علنا امام الجميع ليكتشف أن 412 موظفا من إجمالى 460 موظفا سلموا استماراتهم فارغة، وحينما سألهم عن ذلك، قالوا لم نجد شيئا نكتبه لأننا لم نعمل شيئا يمكن كتابته، وفى ذات الاجتماع قدموا مذكرة يصفون فيها قسوة الحياة وقلة المرتب ويطلبون المدرب بزيادة مرتباتهم تحت أى مسمى يتراءى له!".
هذا هو حال الكثير من المصالح الحكومية التى أصابها الترهل ووصل بها الروتين والبيروقراطية إلى أقصىاه فغرقت الدولة فى البطالة المقنعة بنفس الطريقة، التى غرقت بها فى الفساد فى عهد النظام البائد، وأزكم الروتين أنوف المراجعين وعرقلت البيروقراطية مصالح الجماهير وأصبح المال "الرشوة" الحل الوحيد أمام الموطنين للهروب من الاصطفاف فى الطوابير والبعد عن رحلة العذاب واللف والدوران بين دهاليز المكاتب وعقم الموظفين وجمود القوانين، فأصبح العديد من الموظفين متخصصين فى تعطيل مصالح العباد نتيجة لعدم قدرتهم على العطاء لتعيينهم فى وظائف لاعلاقة لها بدراستهم من قريب أو بعيد، بالإضافة إلى عدم حصولهم على أى دورة تدريبية تتيح لهم تقديم الخدمة الحكومية، فأصبح عملهم الوحيد المطالبة بزيادة الرواتب والبحث عن الحوافز.
إذا كانت الحكومة استيقظت فجأة على هذا الغول الذى يسمى الجهاز الإدارى واكتشفت أنه يلتهم الجزء الأكبر من موازنة الدولة 218 مليار جنيه سنويا للرواتب ووضعت ضوابط للأجر المكمل (المتغير سابقا) الذى كان يلتهمه كبار الموظفين من الصناديق الخاصة وغيرها من المصادر على حساب صغار الموظفين فإن الدولة مطالبة قبل كل شىء ببث روح الإبداع والابتكار بين الموظفين وتشجيعهم على إعمال العقل بدلأ من التطبيق الأعمى للقوانين التى تجاوزها الزمان وأصبحت عبئا على الدولة والمواطنين معاً فى مقدمتها قانون البناء على الأراضى الزراعية، الذى يستهلك جهد الدوائر المحلية والوزارات المختلفة ويدمر اقتصاد المواطنين دون أن يحقق الهدف المطلوب.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة