د. عمار على حسن

خدعوك فقالوا: العرب ليسوا مؤهلين للديمقراطية!

الأربعاء، 22 أبريل 2015 09:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حتى بعد الثورات والانتفاضات العربية، لا يزال بعض الساسة والمثقفين المنتفعين من السلطة يزعمون أن الشعوب العربية غير مؤهلة للديمقراطية، لأنها لم تستعد نفسيًا لهذا النوع من الحكم، إذ إن الديمقراطية عملية تربوية، تقوم فى جوهرها على حزمة من القيم التى تتم على أساسها تنشئة الفرد، بدءًا من الأسرة حتى الحزب السياسى، مرورًا بالعديد من المؤسسات الاجتماعية التى ينخرط فيها الناس، أو يتماسون معها طيلة أعمارهم المديدة. ويقول هؤلاء إن فى بلادنا لا تنتج كل هذه المؤسسات سوى طغيان مقنع، ومن ثم علينا أن نزيح طبقات كثيفة من الأفكار والممارسات المستبدة حتى تستوى الديمقراطية على سيقان اجتماعية وثقافية متينة. ويستند هؤلاء فى تصورهم هذا إلى أن علم النفس الاجتماعى ينتصر لدور التنشئة السياسية فى التمهيد للحكم الديمقراطى، عبر تكوين الفرد المؤمن بالحريات العامة، الحريص على المشاركة، المتسامح مع الآخرين والمؤمن بحقهم فى الحرية، المستعد لتكريس بعض جهده لتقوية دعائم المجتمع المدنى بما يمنع السلطة من التغول والتجبر، والقادر على أن يخوض مواجهة حامية إذا شعر بأن الديمقراطية التى ينعم بها مهددة، أو أن هناك من يتربص بها، ويريد اختطافها لحساب فرد مستبد، أو قلة محتكرة.

وبالطبع فهذه الخطوة مهمة كى تولد الديمقراطية على أكف قوية، وفى نور ساطع يغلب عتمة الاستبداد، ثم تتعزز وتحافظ على وثوقها وثبات خطواتها وامتلاكها القدرة على تصحيح مسارها. لكن الربط الحتمى بين السمات النفسية للمحكومين ونوعية الحكم الذى يقودهم هو من قبيل تعويق جهد الراغبين فى وضع أفضل لمجتمعهم، ومن ثم تطويل أعمار أنظمة حكم تخاصم الديمقراطية، وتكره من ينادى بها أو يدافع عنها.

وأنصع برهان على ذلك أن العديد من المجتمعات الغربية لم تكن لحظة تحولها إلى الحكم الديمقراطى، أو حتى فى الوقت الراهن، تحمل سمات نفسية واحدة، أو حتى متشابهة، فالدراسات التى أجريت على سيكولوجية الشعوب فى مطلع القرن العشرين مثلًا، ومنها كتاب مهم ألفه أندريه سيجفريد، أظهرت أن هناك اختلافًا فى القسمات المشتركة لشعوب هذه المجتمعات، فالسمة العليا لدى الفرنسيين هى «البراعة»، ولدى الإنجليز «العناد»، وعند الألمان «التنظيم»، أما الأمريكيون فهم شعب «ديناميكى»، والروس «متصوفون». ولحظة إجراء هذه الدراسات كان الإنجليز والفرنسيون والأمريكيون والألمان ينعمون بالديمقراطية على الدرجة نفسها، رغم اختلاف سماتهم النفسية، والروس ضاقوا ذرعًا بالاستبداد طيلة الحكم الشيوعى، وها هم يضغطون كل يوم من أجل تعزيز تطورهم الديمقراطى، ومنهم من يريد تحقيق هذا الهدف بالجهود الذاتية، ومنهم من لا يمانع فى دعم من الخارج لهذا المسار، ولتفنيد ما يذهب إليه فقهاء السلطة على الشعوب العربية أن تزاوج بين ضغطها المتواصل من أجل الديمقراطية «الآن وهنا»، والعمل الجاد فى سبيل أن تنشأ ديمقراطيتنا سليمة معافاة. وحتى يتحقق الأخير من الضرورى أن نبنى الديمقراطية داخل أنفسنا أولًا، فيربى الآباء أبناءهم على كراهية الاستبداد، ورفض الاستعباد، والانحياز إلى الحلول الجماعية والمصلحة العامة، والإصرار على المشاركة فى صناعة المصائر، صغيرها وكبيرها، وتقبل الرأى الآخر والفكر المخالف، والاعتياد على الاختيار من بدائل، وليس الانصياع لإملاء مسار واحد. وأول خطوة لتحصيل ذلك هو «تقدير الذات»، فالإنسان الذى يبخس ذاته، لا يمكنه- فى نظر المدارس النفسية كافة- أن يتطلع إلى نيل حقوقه، مهما كانت ضئيلة، بل يستمرئ التفريط فيما له، ويركن إلى استعذاب الاضطهاد، وقد يصل به الأمر إلى حد تصور أنه لا يستحق الاحترام، بل يجدر به ألا يحيا من الأساس. وتقدير الذات قد يجد بابه الأوسع فى إدراك ما فى الأديان السماوية من دعوة إلى مقاومة الظلم، ومكافحة الشر والفساد، وإلى البحث عن الحل الجماعى، وليست الحلول الفردية المفرطة فى الأنانية التى لا تنتج سوى تمزق النسيج الاجتماعى، وبذلك تجد السلطة الحاكمة فرصًا متجددة للتجبر والتوحش، والبداية ستكون حين تشرع الجماعات البحثية والكتّاب والمثقفون وواضعو البرامج التعليمية وخطباء المساجد ومؤلفو الدراما التليفزيونية وأفلام السينما فى تطبيب نفسية الإنسان العربى، وإخراجها من الإحساس الكاذب بالضعة والاستضعاف، وانتشالها من الاكتئاب والانسحاب والشعور المرير باللاجدوى. وصدق رب العزة الذى يقول فى محكم التنزيل «إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».. صدق الله العظيم.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة