أنت تختبئ خلف كلماتك وتحت لغتك، وحديثك هو جواز مرورك الأول إلى قلوب الآخرين، ولعل ما نراه دائما فى الحياة من حروب كانت بدايتها لفظة قيلت فى غير محلها، كما أن الطائفية التى تملأ بلادنا العربية وتوشك أن تودى بها تقودها الكلمات أيضا.
كان سقراط يجلس بين تلاميذه وكانوا يتبادلون الكلام فيما بينهم يأخذون ويردون على سقراط وهو يصحح ويقيم ويعلم، يخوضون فى موضوعات شتى مختلفة ومتنوعة بعدد تشعب الآراء واختلاف طرق الدنيا من حولهم، لكن فى هذه الدائرة التى يتعالى منها الكلام كأنها رحى حرب وتتطاير الأفكار بين الأستاذ والتلاميذ.. وجاء أحدهم وهو يتبختر فى مشيه، يزهو بنفسه، وسيماً بشكله، فنظر إليه سقراط مطولاً، ثم قال جملته الشهيرة التى أصبحت مثلاً:
تكلم حتى أراك
وقديما أيضا قال الإمام على بن أبى طالب:
الرجال صناديق مغلقة مفاتيحها الكلام
كلمة قالها الإمام ليعيد تشكيل المعنى نفسه الذى قصده سقراط من قبل، والثقافات الإنسانية تمتلئ بهذه التنويعات على هذا المعنى أيضا.. إذن للكلام فائدة أخرى غير الثرثرة وغير توصيل المعنى والإفهام والتعبير عن المتطلبات التى يريدها الرجل من غيره، إنها شخصية الإنسان، الكلام يحدد أى الرجال أنت، أعاقل أم أحمق.. أمتزن أم متهور أحكيم أم موتور.. أمسئول أم معول.. أصاحب رأى أم إمعة إن قال الناس قلت وإن صمتوا سكنت.
واستخدم سقراط قوله "أراك" ولم يقل "أعرفك" أو "أفهمك" فهو فعل مقصود يعنى أنت فى صمتك وسط هذه المعارك وهذه الحياة الصعبة ما لم يكن لك رأى ولم تعبر سواء بالرضا أو الغضب فأنت غير مرئى لا أحد يراك.. فصوتك يعبر عن وجودك وهو أكثر من مجرد قدرة على الحديث.. فكلامك هو أنت..
وسقراط لا يدعو إلى الثرثرة لأنها نقيصة فى الإنسان وفى الوقت نفسه لا يدعو إلى "البكم" لأنه أيضا يضيع الحق الواضح البائن.. لكنه يدعو للاتزان ومعرفة قدر الكلمة ففى حالة أن يدرك الإنسان أن الكلمة التى يقولها تعبر عن شخصه وقدره فى الحياة سيقيم لها حسابا يليق بها ولا يقلل من قيمتها أو يتركها على عواهنها كحجارة ملقاة فى الطريق ولا يمنعها فى وقتها لأنها سوف تصبح ضرورة وحتمية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة