يقول الشخص الافتراضى المسمى بنيوتن فى «المصرى اليوم» السبت الماضى ،«إذا كان تقييم الخالدين يعتمد على مدى تأثيرهم فى مجتمعاتهم، فجمال عبدالناصر كان يستحق مرتبة متقدمة باعتبار أن تأثيره على أجيال متعددة- فقرًا وجهلًا وظلمًا- مازال ممتدًا حتى الآن. الرجل أسس لنظام تعليمى هو الأكثر تخلفًا فى العالم، نظام سياسى هو الأكثر دكتاتورية بلا منازع، نظام صحى جعل من كل الشعب بلا استثناء مرضى بأمراض مزمنة، الجوع والفقر والمرض عوامل مشتركة بيد أطياف الشعب المختلفة، وفجأة أصبح هو البطل صاحب قرار الحرب والعبور».
من المعروف من خلال كتابات هذه الشخصية الافتراضية، أنه ضد القطاع العام والإصلاح الزراعى، ويعتبرهما كل البلاء، وفى ذات الوقت يدعى الموضوعية، ويزعم اتباعه للمنهج العلمى، ويتخيل أن لديه القدرة على حل كل المشاكل، يحب السادات ويمجد مبارك ويكره عبدالناصر كراهية التحريم، متسابقاً فى كراهيته مع الإخوان المسلمين.
وهنا فهو حر فيما يحب وفيما يكره، ولكن أن يدعى الموضوعية من باب الوجاهة البرجوازية الليبرالية الأمريكية فيما قال لا علاقة له لا بموضوعية ولا بتحليل علمى محايد يعرفه من له أى علاقة بالثقافة العامة، فهو يقول إن تأثير جمال على أجيال فقرًا وجهلًا وظلمًا مازال ممتدًا حتى الآن! فأى موضوعية هذه التى تربط بين عهد جمال بسلبياته قبل إيجابياته، وبين المنهج النقيض الذى اتبعه السادات، ذلك المنهج الذى يتوافق مع هذا النيوتن شكلًا وموضوعًا؟ وأى علاقة هذه التى تربط بأى رباط بين عهد عبدالناصر وحكم مبارك؟ أم أن هذا هو الخلط المتعمد والادعاء الكاذب، والقراءة المنحازة التى تحكمها المصالح وتسيرها الأهواء؟
وما يكشف فجاجة الرأى، أنه كان يمكن أن يتحدث عن بعض القضايا الخلافية من وجهة نظر هؤلاء المتغربين، مثل الذهاب إلى اليمين أو أسباب نكسة 67، ولكنه يدعى أن ما خلفه عبدالناصر، والذى مازال ممتدًا هو الفقر والجهل والظلم. فى الوقت الذى لازال يعلم فيه الجميع العدو قبل الصديق، أن آثار عبدالناصر وثورة يوليو هى من قامت بسبب الفقر والجهل والمرض، أما طبقة النصف فى المائة هذه، هى التى أوجدت الفقر وكرست الجهل وأوجدت المرض، ولكن الملايين من الشعب الذى كان يرزح تحت نير الفقر وبشاعة الجهل وقسوة المرض، هم الذين استفادوا من عبدالناصر. عبدالناصر من طبّق مبدأ العدالة الاجتماعية للقضاء على الفقر.
هو من أنشأ آلاف المدارس وجامعة أسيوط فى الصعيد لنشر التعليم. جامعة أسيوط التى عمل بها الباز معيدًا فى كلية العلوم، مدارس عبدالناصر التى خرجت وتخرج منها مجدى يعقوب وزويل. هو من أنشأ الوحدات الصحية فى القرى والمستشفيات المركزية فى المراكز، هو من أقام قصور الثقافة ليمارس فيها الشعب هواياته فى المسرح والموسيقى والفن التشكيلى، هو من قضى على الواسطة، ولجم الطائفية بإنشاء مكتب التنسيق والقوى العاملة، هو من جعل القطاع العام طريقاً لمشاركة المواطن فى ثروة وطنه.
عموماً فنيوتن خانه ذكاؤه فى تركيزه على هذه القضايا، ولكن من الواضح والطبيعى إذا كان عبدالناصر هو العدو التقليدى والتاريخى لهذه الطبقة، التى لا ترى غير مصلحتها، فإنها ستظل تنزعج ليس من ناصر المتوفى منذ عشرات السنين، ولكن الخوف من ناصر الفكرة والمبدأ والموقف والزعامة، الذى لازال حاضرًا فى يناير ويونيو، وكل يوم فى مصر، وكل مكان فيه ظلم ويسعى للعدل، فما رأيك يا شيخ نيوتن باشا؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة