فى الأسبوع الماضى نشرت الصحف الإماراتية خبرا عن طفلة صنعت من العلم الإماراتى فستان وارتدته حبا فى وطنها، وتعبيرا عن فخرها واعتزاز أسرتها بعلم دولتها، ولكن البعض اعتبر تحويل العلم إلى فستان إهانة يجب أن يعاقب عليه صاحب هذا الفعل، ولم يمر الموضوع مرور الكرام حتى تدخل الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس الوزراء وزير شئون الرئاسة فى الإمارات لحسم الأمر.
أما فى مصر فقد قامت مجموعة من المبتورين عقليا بحرق العلم فى مشهد لم يعرفه الوطن من قبل ولم يخطر على بال مواطن مهما أشتدت بها العواصف وتلاعبت به النوائب، فالفطرة الإنسانية تبقى فى داخل كل إنسان شيىء تجاه وطنه يكبر حينا ويصغر أحيانا أخرى ولكنه لايستطيع نزع هذا الشى أو بتره، مهما كانت الأسباب، فهذا الرابط الداخلى هو حبل الوريد الذى يربط الإنسان بوطنه ويجعله فى مقلة العين ويتمنى له الخير ويشعر بالغيرة عندما يتعرض لنكبات أو هجوم من الأعداء فى الخارج أو الداخل، هذا هو الحال بالنسبة للإنسان الطبيعى، ولكن يبدو أن فى مصر فئة تعمل عكس الفطرة البشرية والمشاعر الإنسانية فتعتبر حرق العلم بطولة وإنجاز وعدم احترام السلام الوطنى من هدى الإسلام، وكأنه إثم مبين يدخل صاحبه النار يوم الدين، دون إدراك أن العلم والسلام الوطنى مجرد تعبير عن الحب والانتماء لهذا الوطن كما هو الحال فى كل البلدان حتى فى دولة الإسلام التى أرسى قواعدها سيدنا محمد عليه أفضل السلام، ففى كل المعارك والحروب كان يحمل الراية (العلم) بطل همام، رجل شجاع مغوار، ولا يحملها جندى عادى لما تمثله من تعبير وتشجيع ووحدة للفريق، وعندما يسقط حاملها فى الحرب يتلقفها زملائه الأشاوس الأبطال حتى تبقى عالية مرفوعة كما فعل القائد الشهيد زيد بن حارثة فى موقعة مؤتة ومن بعده جعفر بن أبى طالب ثم عبد الله بن رواحة وغيرهم من الأبطال فى كافة المعارك والغزوات.
بالرغم من أن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم كانوا القدوة والمثل فى حمل الراية والحفاظ عليها عالية خفاقة، إلا أن البعض ممن يدعون أنهم من اتباع الصحابة ويمشون على سيرتهم أصبحوا يحرقون العلم ويعتبرون ذلك الفعل بطولى. ويرفضون احترام السلام الوطنى وكأنه رجس من عمل الشيطان، مع العلم أنهم وقفوا كالأصنام احتراما للسلام الوطنى والعلم الأمريكى كما حدث مع حزب النور وغيره من التيارات السياسية الإسلامية أثناء مشاركتهم السفيرة الأمركية السابقة آن باترسون فى احتفال أقيم فى السفارة الأمريكية، ولم يعترض أحد منهم على العلم والسلام الوطنى الأمريكى ولم يفكر أحدهم فى أن يبقى جالسًا، بل وقفوا كأن على رؤسهم الطير، ثم نجد هؤلاء الأشخاص واتباعهم يرفضون احترام السلام الوطنى والعلم المصرى وكأن العلم الأمريكى مرصع بالملائكة وعلم مصر مزين بالشياطين. الغريب أننا نجد بعض هؤلاء الأشخاص الذين يهنيون العلم المصرى يتباهون برفع شعار رابعة وكأن إشارة رابعة فيها الاحترام والتقديس وتعبير عن هدى الإسلام وعلم مصر فيه الذل وتعبيرا عن الكفر والإهانة.
هذا التناقض الذى يعانى منه هؤلاء الأشخاص يؤكد أن فطرتهم غير طبيعية ونشأتهم غير سوية ومشاعرهم منزوعة الوطنية وعقائدهم لا علاقة لها بهدى الإسلام وما فعله الصحابة الكرام فى الدفاع والحفاظ على الأوطان ورفع راية دولة الإسلام.
إن حرق العلم المصرى فى ميدان التحرير لم يكن إهانة للوطن فقط، بل كشف هشاشة النظام على مر السنين وجهل القائمين على الأمر بالدساتير والقوانين فلم تجد الحكومة فى القانون ما تردع به هؤلاء المبتورين، حيث أكد المستشار سعيد الجمل رئيس محكمة الاستئناف الأسبق أنه لا يوجد قانون يجرم حرق العلم، هذا الفراغ القانونى فى دولة تتباهى بأنها صانعة القوانين يؤكد أن حق العلم سقط سهوا من كل القوانين وأصبح الذين يحرقونه أو يلقونه بلا عقاب وسيمر الموضوع مرور الكرام وكأنه "تى شيرت" نادى الزمالك الذى عانى على مدار سنوات من عجز وفشل الإدارات المتتالية مثل حكومات مصر المتعاقبة.
أتمنى أن يكون علم مصر مثل "تى شيرت" الأهلى فلا يجرؤ أحد على إلقائه على الأرض، لأن منظومة القيم رغم ما شابها من شبهات رسخت الحفاظ على التيشرت ومن يفكر فى إلقائه سيكون عقابه عسير بينما، لا تجد الحكومة وسيلة تعاقب بها حارقى علم مصر بعدما فشلت فى مواجهة من يحرقون الوطن وقلوب الأمهات على فلذات أكبادهم تحت عجلات القطارات وحافلات الجيش وغيرها من أماكن الاعتداء.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة