ناجح إبراهيم

الاحتفال بعيد الأم.. وإشكالية كل عام

الأربعاء، 21 مارس 2012 03:50 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يحرم بعض الدعاة فى الحركة الإسلامية الاحتفال بـ"عيد الأم" كل عام.. وحجتهم فى ذلك ما ثبت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى الحديث الصحيح أنه لما هاجر إلى المدينة وجد الصحابة أن اليهود يحتفلون بيومين يلعبون فيهما (أى يتخذونهما عيدا).. فقال رسول (صلى الله عليه وسلم) للصحابة: " إن الله قد أبدلكم بهما يومين خيراً منهما يوم الفطر ويوم الأضحى".

ويرون أن هذا الحديث يدل على أن الدين الإسلامى لا يعرف سوى عيدين اثنين هما عيد الفطر وعيد الأضحى.. وبالتالى فإن كل الأعياد الأخرى لا يجوز الاحتفال بها.. ومنها الأعياد الاجتماعية مثل عيد الأم وعيد اليتيم وعيد العلم وعيد الفلاح أو العمال.. والأعياد الوطنية مثل عيد الثورة وعيد النصر وغيرهما.. ذلك كله، فضلا عن الأعياد العقائدية للملل الأخرى.

ويحتج هؤلاء الدعاة أيضا بأن الأم يجب تكريمها فى كل أيام العام وليس فى يوم واحد منه، وهذه الحجة انتشرت بين هؤلاء الدعاة انتشار النار فى الهشيم.
وفى الوقت نفسه نرى أن المسلمين عواماً وخواصاً يحتفلون بعيد الأم.. ونرى جميعاً الأثر الفعال لهذا اليوم فى تربية الأجيال على بر الأمهات.. وتذكير الناس جميعاً بفضل الأم.

ونرى المسلمين فى هذا اليوم يتسابقون فرادى وجماعات لبر الأمهات وصنع الخير معهن والرحمة بهن وتعويض ما قصروا فيه معهن طوال العام.

والذين يحتفلون بهذا اليوم من المسلمين أكثرهم من الصالحين العابدين الذاكرين.. وعند أكثرهم قسط وافر من العلم الشرعى.. وهم فى كل عام يستمعون إلى تلك الفتاوى التى تحرم الاحتفال بـ"عيد الأم".. ولكنهم لا يلتفتون إليها ولا يلقون لها بالاً ولا يقتنعون بتلك الفتاوى.. ويستمرون فى الاحتفال بهذا اليوم بمزيد من البر والعطف والرحمة والإحسان ورد الجميل إلى أمهاتهم.. ويرون أن ترك الاحتفال بمثل هذا اليوم يحرمهم ويحرم أمهاتهم من خير كثير وطاعة عظيمة.. ويحرم أولادهم من التربية على بر الأمهات وغرس هذه القيمة العظمى فى نفوسهم.

وهكذا فى كل عام بعض دعاة الحركة الإسلامية يفتون بالتحريم.. وعموم المسلمين يستمعون إلى هذه الفتاوى فلا يرون أنها تمثل صحيح الدين وروحه من وجهة نظرهم.. فيستمرون أيضاً فى الاحتفال بهذا اليوم، ويسعدون ببر أمهاتهم وتربية أولادهم الصغار على هذه المعانى النبيلة.

وهكذا تسير الأمور.. فلا الدعاة توقفوا قليلا لإيجاد صيغة شرعية لهذا الأمر تجمع بين الواجب الشرعى والواقع العملى.. وتحقق كل الأغراض المرجوة من هذا الأمر.. ولم يعرضوا على الناس بديلا جيدا عن عيد الأم يقنع سائر المسلمين به.

أما عموم المسلمين فلم يناقشوا مع هؤلاء الدعاة فتواهم وأثرها السيئ فى منع هذا الخير.. ولم يساعدوا هؤلاء الدعاة على التفكير فى بديل إسلامى آخر أفضل وأحسن وأوسع.

فإن لم يكن فالسعى فى أسلمة "عيد الأم" ليكون مطابقاً للشرع وموافقاً له.. مع تحقيق كل المصالح الشرعية الخاصة به.. فعوام المسلمين وخواصهم اكتفوا بالسماع لهذه الفتاوى مع نية الرفض لها وعدم قبولها.

هذه الإشكالية نجدها فى أمور كثيرة.. ولعل التصدى لمثل هذه الإشكالية يكون شائكاً.. ولكنى أرى أن التصدى لها أهم من إهمالها وتركها.

وقبل الفصل فى مثل هذا الأمر يهمنى أن أذكر القارئ بهذه النقاط المهمة.. وهى:-
أولاً:- إننى اتفق مع دعاة وفقهاء الحركة الإسلامية الذين قالوا إن الإسلام لا يعرف سوى عيدين اثنين هما "عيد الفطر وعيد الأضحى".
ثانيا ً:- أن مسمى العيد فى الشرع ينطبق على أمرين مهمين:
1- النسك والعبادة: مثل تكبيرات العيدين وصلاة العيد والإفطار قبل الخروج للمسجد فى عيد الفطر والذبح بعد الصلاة فى عيد الأضحى.. الخ
فأى عيد لا تكون فيه نسك وعبادة فهو فى الحقيقة ليس عيدا بالمعنى الشرعى الذى قصده الرسول (صلى الله عليه وسلم) فى الحديث الذى أشرت إليه آنفا .. حتى وإن كانت فيه فرحة عامة.
2- الفرحة لعموم المسلمين: وهذه الفرحة تعم النساء والأطفال والشيوخ والأسر جميعًا، وتعم القطر أو البلد جميعا.. ولذلك كان من حكمة الإسلام أنه حث على حضور النساء ذوات الأعذار مثل "الحيض والنفساء" .. وكذلك الأطفال إلى صلاة العيد حتى وإن لم يصلوا.. ليشهدوا هذا الخير وهذا الاجتماع الإسلامى النادر الجميل الذى لا يتكرر فى العام إلا مرتين.

ثالثاً:- أن الأعياد التى لا تشتمل على نسك وعبادة لا تعد أعياداً فى الشريعة.. سواء كانت هذه العبادة عبادة صحيحة مثل العبادات المشروعة فى عيد الفطر وعيد الأضحى.. أو عبادات غير مشروعة فى الإسلام مثلما يحدث فى أعياد غير المسلمين.

ونحو ذلك من الأعياد الدينية العقائدية التى تشتمل أساساً على النسك والعبادة.. وهذه الأخيرة متفق على تحريمها على المسلم.

أما الأعياد التى لا تشتمل على نسك وعبادة فهى تسمى أعيادا مجازاً.. لأنها تعود كل عام.. وهذه فى حقيقتها ليست أعياداً بالمعنى الشرعى رغم اشتمالها على فرحة أو بر أو معروف ونحوه ومن أمثلتها "عيد الأم" وعيد النصر وعيد الثورة وعيد العلم.

ولو أننا سميناها "يوم كذا" بدلاً من "عيد كذا" لكان أولى وأفضل ولزال عنها الكثير من الحرج الشرعى.

فنسمى عيد الأم مثلاً يوم الأم.. ونسمى عيد النصر بيوم النصر.. ونسمى عيد العلم بيوم العلم.. وهذا ما يليق بمثل هذه المسميات.. فهى تشتمل على غرض شرعى صحيح من تكريم الأم أو العلماء الأفذاذ أو المقاتلين العظماء.. وهذه كلها مصالح شرعية صحيحة.

ومن أمثلتها يوم الجيش الثالث أو الثانى.. أو يوم المدرعات أو المشاة أو يوم الصاعقة أو يوم الدفاع الجوى.. وكلها أيام تذكر الأمة بأمجادها وانتصاراتها على أعدائها.. وتحيى فى الأجيال القادمة معانى الفداء والعطاء والشجاعة والرجولة.. وأى أمة ليس لها تاريخ عظيم فلن يكون لها حاضرٌ أو مستقبل عظيم.

رابعاً:- كان ينبغى على دعاة الحركة الإسلامية وفقهائها خاصة ودعاة الإسلام عامة أن يسبقوا الآخرين ويبادروا باستنباط يوم خاص لتكريم الأمهات العظام من كل أجيال المسلمين حتى أيامنا هذه.. ويقوم فيه كل الأبناء بتكريم أمهاتهم تكريما ً خاصاً.

ويمكن أن يستنبط هذا اليوم من تاريخ الصحابة أو التابعين أو تابعيهم أو من العصور الحديثة.. ويكرروا ذلك مع أعياد العلم والنصر والطفولة واليتيم والفلاح والعمال .... الخ.

خامسا:- الحجة التى يقولها بعض الدعاة الذين يرفضون الاحتفال بيوم الأم.. وهى أنه يجب علينا أن نحتفل بالأم وغيرها ونكرمها طوال العام وليس فى يوم واحد منه تعد من أضعف الحجج رغم تكرارها وانتشارها.. فما يمنع تكريمها تكريما ً زائدا ً فى يوم من الأيام ليذكر الأبناء ببرها بقية العام.. مع تكريم الأمهات المثاليات للعام كله.

والحقيقة التى لا مراء فيها أن هذا الاحتفال يؤثر تأثيرا ً كبيراً فى الأولاد والأمهات.. ولا نريد أن نضع رءوسنا فى الرمال بقولنا إنه أثر وقتى.. بل إنه أثر متراكم منذ الطفولة وحتى آخر يوم فى حياتنا.. وما فعله مع أمه يتكرر من أبنائه مع أمهاتهم وهكذا.

سادساً:- أن الاحتجاج بأن مثل هذا الاحتفال لم يحدث فى أيام الرسول (صلى الله عليه وسلم) والصحابة والتابعين وتابعيهم احتجاج ضعيف.. فليس كل شىء يحدث الآن فى حياتنا قد حدث أيام الرسول والصحابة والتابعين.. حتى فى أمور المساجد وطلب العلم وطريقته... الخ.

وهذا كله يندرج تحت ما يسمى فى أصول الفقه "المصالح المرسلة" .. وهو ما فيه مصلحة شرعية للناس ولم يأت هناك نص بتحريمه أو وجوبه أو ندبه.. فالأصل فى الأشياء الإباحة " بخلاف العبادة والعقيدة والأبضاع والدماء.. فالأصل فيها الحرمة إلا ما أباحه الشرع الحنيف".

ونخلص من ذلك كله أننا لو نقينا عيد الأم من كل الأمور التى يأخذها بعض الدعاة عليها مثل كلمه "عيد" مع اختيارنا لمناسبة إسلامية له.. أو ترك موعده كما هو لاعتياد الناس عليه.. مع تعريف الناس أن ذلك الاحتفال لم يحدث أيام الرسول (صلى الله عليه وسلم) .. ونكون بذلك قد تخلصنا من بعض المشاكل التى تعوق بعض الإسلاميين عن التفاعل معه .. وبذلك نستطيع أن نجمع بين كل المصالح الشرعية فى آن واحد.

وهذا ما توصلت إليه بعد تفكير عميق فى هذا الأمر.. وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون فيه النفع والخير للمسلمين أجمعين.. "وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ".
والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة