فى الوقت الذى يتطلع فيه المصريون إلى تحقيق آمالهم وأحلامهم وينتظرون الإعلان عن افتتاح قلاع جديدة للعمل والإنتاج نجد معركة جديدة تضاف إلى سجلات معارك الاقتتال الداخلى وقتل المصريين لبعضهم البعض فى ظاهرة لم تعرفها مصر من قبل على مدار التاريخ، فمنذ ثورة 25 يناير المجيدة ودماء المصريين تسيل فى كل مكان بدءا من ميدان التحرير، مروراً بأحداث محمد محمود وقصر العينى ومجلس الوزراء وماسبيرو وصولاً إلى قصر الاتحادية الذى تحول من رمز للجمال والإبداع المعمارى إلى ساحة للقتال وتم تلطيخه بدماء المصريين وتشويهه بالعبارات البذيئة التى لا تعبر عن طيبة وأصالة وحضارة الشعب المصرى، فلو كان المعمارى البلجيكى أرنست جاسبار مصمم القصر يعلم أن تحفته المعمارية التى بنيت فى عام 1908 وتم افتتاحها فى عام 1910ستتحول من واحة معمارية جميلة ومكان للاستشفاء إلى ساحة للمعارك والاقتتال الداخلى ما فكر فى تصميمها وما قام الفرنسيون بتكليف شركتا "ليو رولين وشركاه" و"بادوفا دينتامارو وفيرو" للإنشاءات بإقامته كفندق فخم فريد من نوعه على مستوى العالم آن ذاك.
هذا المكان الذى حوله الرئيس المخلوع حسنى مبارك إلى مستعمرة أمنية على مدار 30 عاماً ونجحت ثورة يناير فى فك أسره من النظام البائد وفتحه أمام الجمهور، أصبح الآن شاهدا على قتل المصريين لبعضهم البعض وليس مكانا لجمع صفوفهم وتوحيد كلماتهم، كما كان فى الماضى حيث كان القصر المقر الرئيسى للوحدة العربية بين مصر وسوريا ولكنه الآن مقر الفرقة والدماء.
قصر الاتحادية الذى كان يطلق عليه فندق جراند أوتيل قبل أن يتم تأميمه كان قبلة للسياح من كل مكان حول العالم، فكان ينطق بالعراقة والفخامة والضخامة، لدرجة أن ملك بلجيكا عندما زار الفندق عام 1911 صاح قائلا: هذا عظيم! وقد أمضى الملك وزوجته الملكة إليزابيث شهرا كاملا فى الفندق، وكانت الملكة فى ذلك الوقت تتعافى من مرض التيفويد، وكان الأطباء البلجيكيون ينصحونها بقضاء الأوقات فى هذا المكان البديع والصرح الجميل لدوره فى المساعدة على الشفاء.
جراند أوتيل الذى تحول إلى قصر الاتحادية فى عام 1972 لم يكن أبداً يوما مكانا لمعركة وقتال بين المصريين، بل كان مكانا للاستشفاء فى وقت السلم ومستشفى عسكرى لتداوى الجراح وقت الحرب كما حدث خلال الحربين العالميتين، وتوقع الجميع أن يكمل القصر مسيرته فى الوحدة والبناء ولكنه تحول إلى معركة جديدة سالت فيها دماء المصريين بأيدى المصريين، أمام الشرطة وحرس الرئاسة وكأنهم يشاهدون مباراة فى دورى القتال والصراع السياسى الذى تعيشه مصر ولا نعرف متى نهاية هذا الدورى.
قصر الرئاسة رمز الشرعية هو المسئول عن إطلاق صافرة النهاية لوقف دورى القتال والصراع السياسى وتحقيق أحلام وآمال المصريين وحمايتهم من كل طغيان، كما يجب ألا يكون شريكا فى القتال وألا يكون مُقطع الأوصال بعد أن حوله الحرس الجمهورى على مدار الأيام الماضية إلى عدة حواجز أمنية تضاف إلى الحواجز المتعددة فى القاهرة، وكأن مؤسسات الدولة أصبحت فى بؤر معزولة عن الشعب، فيجب أن يعلم الدكتور محمد مرسى أن قوات الأمن سواء كانت الجيش أو الشرطة لا يمكن أن تحمى الرئيس لأن الحماية تأتى من حب الناس وتلبية رغباتهم وتحقيق مصالحهم وليس التستر خلف متاريس وحواجز أمنية وكأننا نعيش فى فلسطين المحتلة التى حولها الاستيطان إلى أوصال متقطعة وحواجز متعددة لتأمين المستوطنين.
لا نريد اهتزاز الشرعية التى يتمتع بها الرئيس ولا نريد المساس بهيبته، لأنه رمز لمصر والمصريين جميعاً، ولكن يبقى الرئيس المسئول عن حل المشاكل التى تعيشها مصر بشكل عقلانى وليس بطريقة الفعل ورد الفعل، وإيقاف التوتر وشفاء الوطن من حمى الإضرابات التى أصابته وإطفاء المعارك المشتعلة بين التيارات المختلفة وتوجيهها نحو العمل والبناء بدلاً من الاستعداد لمعركة جديدة وكأننا نستنسخ تجربة تشاد فى محاصرة القصر الجمهورى بين المؤيدين والمعارضين الذين كان يطلق عليهم الرئيس التشادى إدريس ديبى المتمردين.
نتمنى أن يكون الرئيس أكثر فاعلية وليس أداة فى يد هذه الجماعة أو تلك، كما نأمل من الآخرين ألا يفعلوا ما فعله معارضى عثمان بن عفان رضى الله عنه، بعد أن استطاع عثمان أن يفحمهم ويبطل دعواهم وشبهاتهم خلال مناظرة علانية فى المدينة المنورة، ولكنهم لم يقتنعوا بما قاله وواصلو مسيرة شق الصف، وانصرفوا وفى نيتهم العودة مرة أخرى للقضاء على عثمان، فكان لهم ما أرادوا وعاشوا جميعا فى الفتن والدمار بدلاً من البناء والرخاء.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة