لست مع تأكيد الأستاذ صلاح منتصر أن الصحافة المطبوعة سوف تختفى خلال حد أقصى عشر سنوات، فهذا حكم فيه نوع من الاستسهال، رغم أن حقائق التاريخ تؤكد أنه لم يحدث أن وسيط جديد ألغى وسيطا من قبله، فالإذاعة لم تلغ المسرح، والسينما لم تقض على الإذاعة، والتليفزيون لم يقتل كل ذلك.. فسيظل الإنسان يقرأ ويسمع ويشاهد من كل الوسائط.
الحقيقة أن ما قاله الأستاذ منتصر وكيل المجلس الأعلى للصحافة فى مجمع اللغة العربية، يكاد يكون شائعا ليس فى مصر فقط، ولكن فى العالم كله، ويدعمه أن هناك بعض المؤسسات فى مختلف أنحاء العالم أغلقت أبوابها، والبعض الآخر أوقف طبعاته الورقية.
لكن هذا الرأى يحتاج إلى مراجعة وتأمل، فقدرة أى وسيط على البقاء مرهونة بإدراك القائمين عليه لطبيعته المختلفة عن الوسائط المنافسة. ففى بداية عهد التليفزيون كان متأثرا بالدراما المسرحية والسينمائية وتدريجيا وصل إلى شكل دراما يخصه نسميه الآن الدراما التليفزيونية.
الحل أمام الصحافة المطبوعة أن تخرج تماما من دائرة المنافسة الإخبارية الفورية، فالخبر يتم نشره فورا على المواقع، ومن هنا لا تستطيع المنافسة سوى فى الانفرادات الخاصة، ولذلك لابد أن تبحث عن معالجة تحريرية لتجاوز هذا المأزق، سواء كانت جريدة يومية أو مجلة أو صحيفة أسبوعية.
الحل الثانى هو تفهم مميزات المطبوع والتى من المستحيل أن تجدها فى الإلكترونى، منها مثلا الشكل المتغير، بعكس المواقع ذات الشكل الثابت. ومنها أن طريقة تلقى المطبوع تجعل هناك إمكانية للمواد الصحفية المطولة. أى بجملة واحدة لابد أن تبحث الصحافة المطبوعة عما يميزها عن غيرها وتطوره.
هناك تجارب ناجحة فى هذا الاتجاه، منها على سبيل المثال مجلة النيوزويك الأمريكية، والتى تعرضت لهزة عنيفة بسبب هذه المنافسة الشرسة، لكنها صمدت بعد أن استطاع القائمون عليها الوصول لصيغة تحريرية تتجاوز الإخبارى، ربما أهم ملامحها هى أن الصحفى يقدم ما يمكن أن نسميه "التحقيق التحليلى"، وهو معلومات ومعها مصادر، ثم يكتب كل ذلك فى بناء تحليلى، أى يكتب الرأى المستند إلى معلومات ومصادر.
يمكننى القول إن نجاح الصحافة المطبوعة فى هذا التحدى ممكن، ليس كلها بالطبع، وستقدم إنجازا معرفيا مختلفا تماما، سيفيدها وسيفيد المجتمع الذى أتيحت له رئة جديدة للتقدم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة