تحل، اليوم، الذكرى 1269 على مبايعة عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، مؤسس الدولة الأموية فى الأندلس، والمعروف فى كتب التاريخ بلقب صقر قريش أو عبد الرحمن الداخل، بينما تصفه المصادر الأجنبية بـ عبد الرحمن الأول، ففى مثل هذا اليوم من عام 756م (138هـ) أعلن الناس بيعتهم له، ليؤسس دولة عربية إسلامية جديدة على أرض أوروبا، بعد سقوط الدولة الأموية في دمشق عام 132هـ.
رحلة الهروب والتأسيس
كان الداخل واحدًا من أمراء بني أمية الذين نجا من مطاردة العباسيين، بعد أن لاحقوا كل أفراد البيت الأموي بالقتل، فرّ متنقلًا بين البلدان نحو ست سنوات كاملة، حتى وصل إلى شمال أفريقيا ومعه بعض مواليه، أبرزهم بدر وسالم، اللذان ساعداه على نقل أمواله والتواصل مع أنصاره، ومن هناك اتجه إلى الأندلس، حيث نجح فى كسب تأييد الأمويين والقبائل العربية الموالية لهم، وفى العاشر من ذى الحجة عام 138هـ انتصر على والى الأندلس يوسف بن عبد الرحمن الفهرى، وحصل على البيعة التى دشنت حكمه الجديد.
ثورات ومعارك
لم تكن مهمة الداخل سهلة، فقد واجه خلال حكمه أكثر من 25 ثورة، إلا أنه تغلّب عليها جميعًا، ليؤسس نظامًا قويًا استمر في نسله نحو أربعة قرون، ويذكر المؤرخ الذهبي أن عبد الرحمن الداخل لم يلقّب نفسه بالخليفة، بل اكتفى بلقب الأمير، بينما كان أول من حمل لقب "أمير المؤمنين" من ذريته هو الناصر لدين الله.
قائد حازم وحكيم
تصف كتب التاريخ شخصية الداخل بالحزم والدهاء العسكري، فقد ألقى خطبة شهيرة في جنوده أثناء حربه مع يوسف الفهري، قال فيها: "هذا اليوم هو ما يُبنى عليه إما ذل الدهر وإما عز الدهر، فاصبروا ساعة فيما لا تشتهون تربحوا بها بقية أعماركم فيما تشتهون".
كما أوصى جنوده بعدم استئصال الأعداء، قائلًا: "لا تستأصلوا شأفة أعداء ترجون صداقتهم، واستبقوهم لأشد عداوة منهم".
عهد أمان مع النصارى
لم يقتصر دور الداخل على تثبيت أركان حكمه، بل عمل على تأمين أهل البلاد وحماية النصارى في الأندلس، فأمّنهم على عقائدهم وكنائسهم وطقوسهم، وكتب لهم عهدًا يضمن سلامتهم مقابل التزامات مالية وعسكرية محددة، وكان ذلك العهد وثيقة نادرة تجسّد سياسة التسامح التي انتهجها في إدارة الدولة.