علا رضوان

الفنان الحر والجمهور الملهم

الأربعاء، 03 سبتمبر 2025 05:00 م


فى وقت أصبحت فيه الأكثرية والضخامة معيارا للنجاح، يأتي صوت أمير عيد ليخالف هذا التيار، "الأرقام دي عمرها ما كانت معيار لفنان جامد أو مش جامد"، هكذا قالها بصراحة، متسائلا عن الهوس المجتمعي بفكرة الكم أثناء حفل كايروكي الذي أقيم بمدينة العلمين الجديدة خلال الأيام القليلة الفائتة، هذا الرفض ليس مجرد تصريح عابر، بل هو انعكاس لمسيرة فنية قامت على المضمون لا المظاهر، ففي الوقت الذي يتنافس فيه فنانون على لقب "أكبر حفل" أو "أكثر متابعة"، يرى أمير عيد أن هذا التفاخر يدل على "فراغ" داخلي، وأن "الحاجات الرخيصة هي أكثر حاجة بتتباع".

هذا المفهوم الفلسفي يتناغم مع رؤية نقاد فنيين كُثر يرون أن الترويج لنجاح الفنان بناءً على أرقام المبيعات أو الحضور الجماهيري هو تبسيط مخل للفن الحقيقي، الذي يجب أن يُقاس بمدى تأثيره في المستمع، ومدى قدرته على إثارة الفكر والشعور. ربما كان الحضور الجماهيري الهائل الذي شهده حفل العلمين هو ما دفع أمير عيد ليقول هذه الكلمات، فخشي أن يتسرب إليه أي شعور بالغرور، فبادر بكسره بكلمات تذكرته بنصيحة أمه الغالية: "عمرك ما هتبقى شخص غني إلا لو أنت عندك حاجة الفلوس ما بتشتريهاش"، وهي رسالة قوية تؤكد أن القيمة الحقيقية للفنان تكمن في ما يقدمه من فن لا يُقدّر بثمن، وليس في الأعداد أو الأرباح.

من "السكة شمال" إلى "أبناء البطة السوداء".. رحلة من الأصالة

تتجلى هذه الفلسفة في أعمال كايروكي ذاتها. منذ ألبومهم الأول "مطلوب زعيم"، مرورا بـ"السكة شمال" و"نقطة بيضا"، وصولا إلى "ولاد البطة السودا"، وأخيرا "روكسي"، لم تكن كايروكي تسعى أبدا لتحقيق أرقام قياسية. بل كانت تغني عن قضايا حقيقية تلامس حياة الشباب العربي، أغانيهم كانت وما زالت صوتا للجيل الذي يشعر بالغربة، الذي يبحث عن معنى في عالم يفرض عليه القشور. ألبوم "أبناء البطة السوداء" على وجه الخصوص، يمثل ذروة هذه الفلسفة، حيث يطرح تساؤلات وجودية حول الهوية والاختلاف، ويؤكد أن التميز يكمن في عدم التشبه بالآخرين، هذا المنهج جعلهم يكتسبون قاعدة جماهيرية وفية، لا لأنهم "الأكثر مشاهدة"، بل لأنهم "الأكثر صدقا".

القيمة لا الكم: حفل العلمين كدليل حي

تأكيده على أن "الموضوع عمره ما كان بالعدد، الموضوع في الروح اللي أنتم جبتوها لنا" يكشف عن قيمة حقيقية يتبناها أمير عيد، إنها قيمة التفاعل الإنساني الصادق. فالفن في رأيه ليس مجرد سلعة استهلاكية، بل هو تجربة متبادلة بين الفنان وجمهوره. هذا ما يجعل حفلات كايروكي لا تُنسى. فالحضور لا يأتي فقط للاستماع إلى الأغاني، بل ليشارك في تجربة جماعية، ليجد نفسه في كلمات الأغاني التي تتحدث عن آماله وأحلامه وإحباطاته.

الفنان الحر والجمهور الملهم

يُمكن القول إن أمير عيد، في هذا الحوار، كان يتحدث بلسان الفنان الحر، الذي يرفض أن يكون "براند" أو "منتج" يُباع للمستهلكين. إنه فنان يتحكم في أفكاره وقناعاته، ويغني لجمهور "حر" مثله، جمهور يفكر ويحس، ولا ينساق خلف التوجهات السطحية. هذا الارتباط الروحي بين الفنان والجمهور هو ما يمنح موسيقى كايروكي قوتها. فالجمهور هنا ليس مجرد مستمع سلبي، بل هو جمهور ملهم، يشارك الفنان في رحلته الإبداعية ويغذيه بالإيمان والثقة.

يظل درس أمير عيد في حفل العلمين درسا فنيا وإنسانيا بليغا: لا تقيس النجاح بالأرقام، بل بالصدق والقيمة التي تضيفها لحياة الناس. فالفن ليس بالكم، بل بالقيمة.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب