عصام محمد عبد القادر

قراءة فى المحتوى الرائج

الثلاثاء، 02 سبتمبر 2025 02:02 ص


أضحى الفضاء الرقمي يهيمن على الرأي العام، ويساعد بقوة في تشكيل الرؤى، والتوجهات، ويسهم بقدر ما في بناء الوعي المجتمعي لدى منْ يترك، أو يتجاهل نهل معارفه من مصادرها الموثوقة، ومنابعها المثبتة، التي تتمخض عن مفرزات، ونتاجات العلم الرصين، وفي الآوانة الأخيرة تزايد الإقبال على ما يطلق عليه بالعربية، المحتوى الرائج، وبغيرها "Trend"، ومواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت سريعة الانتشار، صارت تؤدي دورًا، لا يُستهان به في التضخيم، والذيوع؛ كي يصل إلى القطاعات العريضة من المجتمعات على سطح المعمورة.


الهواتف النقالة، ذات الشاشات الصغيرة، سهلة الحمل، والاستخدام، ومتعددة الوظائف، ساعدتنا في مطالعة المحتوى الرائج بكل يُسر؛ حيث يتصدر هذا المحتوى، أو الترند صفحات المواقع بمختلف ألوانها، وتباين سياسة توجهاتها، ناهيك عن بساطة تحويلها من صيغة إلى أخرى؛ فقد أضحت حرفية التقنية، وأدواتها، وتطبيقاتها متاحة للجميع، وهذه الظاهرة التي تطفو على الفضاء، ويسهل تبادلها وذيوعها في فترة زمنية قصيرة، وسرعان ما تختفي؛ حينما يخفق الشغف حيال تفاصيل محتواها، وهنا نتفكر في ماهية الأثر الباقي بعد مرورها على الأذهان، ونتساءل برويّة عن جدواها، وثمرتها، أو حتى عن سلبياتها، ومآخذها.


الانشغال بالقضايا التي تقع في بؤرة اهتمام الرأي العام عبر فلسفة التدويل الرقمي، أو تحويلها إلى محتوى رائج، أمر لا ننكر ضرورته؛ لكن فقاعات الأحداث، التي تأخذ حد الاهتمام، ويكمن من خلف الستار أهداف، أو مآرب، أو أغراض، غير مجدية، تجعلنا نعمل على مراجعة أنفسنا، ونقيم الحالة، ونطرح معايير تقيس جدوى الظاهرة؛ ومن ثم لا نتردد في أن نقوم بمحاسبة المتسبب، والمسئول عن ذلك؛ فالأمر المنشود أن نعمل سويًّا على تحسين ممارساتنا، وسلوكياتنا؛ كي لا يُضار المجتمع في وعيه، ولا ينجرف نحو هاوية سحيقة مليئة بالخداع البصري، والفكري، والأكاذيب المموّلة.


دعونا نميز، أو نفرق بين اجتماعية مرغوب فيها، يتحقق على أثرها المودة، والوصال، وتبادل الخبرات، وتجرع كؤوس قيم نبيلة، نرصدها في ممارسات إيجابية حميدة، تؤكد اتصافاتها على المحبة، والوئام، والانسجام، والتناغم، والتسامح، والتكافل بين طبقات، وفئات مجتمعنا، وبين اللهث، والجري، والاندفاع وراء ظهور، يستهدف الشهرة المؤقتة، والرغبة في جني أرباح، ومكاسب، لن يدوم نفعها، بل، تورّث فقدان الثقة، والتأرجح بين العزلة، والتخلف عن بحور النهضة، والتقدم؛ ومن ثم نكون قد فقدنا أمل بلوغ الريادة، ومنشد التنافسية، الذي نحقق من وراءه، طموحات، وآمال قد تمنيناها.


تعالوا بنا نتفق، على أن عتبة المحتوى الرائج، التي تستحق أن نعزّزها، ينبغي أن تسهم في بناء إنسان، يمتلك أنماط وعي صحيحة، تجعله قادرا على العطاء، ويحافظ، ويصون مقدرات وطنه، ولديه الرغبة في عبور بوابات النهضة، والتقدم، وأن نعضد صورة المحتوى، الذي يزيد من تضافرنا في وقت المحن، والنوازل، وأن يقوي لحمتنا، ونسيجنا؛ فنغدو أقوياء في مواجهة التحديات، والصعاب، ونحمى المحتوى، الذي يستهدف تنمية البلاد؛ لتصبح قبلة للاقتصاد، وواحة للأمن، والأمان، ونحرص على صورة المحتوى، الذي يثري تراثنا الثقافي؛ لنتفاخر به في كل مكان، وزمان.


نرفض الترند الذي يُكرّس للأكاذيب، وينال من سمعة الرموز، والأشخاص، ويساعد في تزييف الوعي، وتشويه الفكرة الراقية، والتقليل من جهود بناءة قام بها مخلصي هذا الوطن، لا نقبل البتة بمحتوى يروج للشائعات المغرضة، التي تستهدف تقويض مسار تنمية البلاد، ورقي العباد؛ لذا دعونا قبل أن ننجرف وراء المحتوى الرائج، أن نتفحص جدواه، وثوابت مصداقيته، ونمحص الأسباب، والمسببات؛ كي لا نقع في سلبيات نحن قادرين على أن نتخلص منها؛ فلا تنال من فلذات أكبادنا، ولا تضير بالفكرة الأصيلة، التي تحثنا على الجد، والاجتهاد، والإخلاص، وصدق النوايا.


نُحذّر من محتوى يحول تفكير الإنسان من إطاره الإيجابي، إلى حيز السلبية، والاتكالية، ونهيب من مغبة، ومخاطر تشويه الوعي، وانحسار الأذهان في حيز النفعية؛ فلدينا عقول تستطيع النتاج، وسواعد تحقق البناء المستدام، وهنا تتعالى أصواتنا؛ لتؤكد على أهمية التفكير الناقد، الذي يجب أن نتسلح به صغارًا، وكبارًا؛ كي نتمكن من قراءة المحتوى الرائج المثمر في مكنونه، ومكونه، والمحتوى الآخر الفارغ من محتواه ومضمونه.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب