أتذكر كأس العالم 98 جيدا، كان وقتها عمرى 8 أعوام، لا أتذكر التصفيات المؤهلة للبطولة، ولا موقف مصر وقتها، لكن منذ تصفيات كأس العالم 2002، وانا أتابع كرة القدم جيدا، وبالتالي فدق تابعت 6 تصفيات مؤهلة لكأس العالم، لم نصعد فيها للنهائيات سوى مرة واحدة فقط، روسيا 2018.
حينما أطلق حكم مباراة بوركينا فاسو ومصر، صفارته، تنفست الصعداء، أخيرا، لم يتبق سوى مبارتين فقط تفصلنا عن كأس العالم، بل، لا يتبقى سوى نقطة أو نقطتين كى نصعد بشكل رسمي، ثم تبادر إلى ذهنى سؤال غريب، "يعني ايه نوصل كاس عالم من غير معاناة"؟
السيناريوهات المصرية في تصفيات كأس العالم، معروفة للجميع، ويستطيع أن شخص مُحبا للكرة المصرية أن يكتب عنها مجلدات تحت عنوان "سنوات الفرص الضائعة"، فكم من الفرص السهلة جدا، التي أهدرها لاعبو المنتخب المصري على مر الأجيال، مجدى طلبة أمام زيمبابوي، أو محمد عمارة أمام الجزائر، أو طارق السعيد أمام المغرب أو بركات أيضا أمام الجزائر.
الفرص المهدرة لمنتخب في الصعود إلى نهائيات كأس العالم عديدة، لا تُعد ولا تُحصى، وأكاد أجزم أن هذه الفرص، أصابت البعض من عشاق كرة القدم، بـ "تروما" أو عقدة التأهل لكأس العالم، فالسيناريوهات التي نخرج منها كل مرة من تصفيات مؤهلة لكأس العالم، عادة ما تكون درامية، بلغة الفن، فالعقدة الكبيرة في الدراما، قد تأتى من تصرف بسيط للغاية، فتتعقد الاحداث، وربما تنتهى نهاية حزينة، هكذا كان المنتخب المصري معنا في تصفيات كأس العالم، يُسعدنا في مباريات بطولات الأمم الأفريقية، ثم يعود ويسرق الفرحة من قلوبنا في التصفيات المؤهلة لكأس العالم التي تليها.
لا أعرف لماذا لم يعتد اللاعبون المصريون، على استغلال الفرص الكبيرة، لن أقول لك أنصاف الفرص، أو الفرص المستحيلة، لكنى أندهش من تصرف اللاعب المصري الذى يدير ظهره للفرصة السهلة، وكأنه يقول بينه وبين نفسه، "لا أحب الصعود السهل.. أنا أعشق الدراما".
والعجيب والغريب، أن المرة التي عاصرت فيها المنتخب المصري يصعد لكأس العالم، كانت بسيناريو أكثر غرائبية، وكادت أن تضيع الفرصة، فأمام أكثر من 80 ألف متفرج، يلاعب المنتخب المصري، منتخب الكونغو، ولا يحتاج سوى الفوز بأى نتيجة، وبالفعل أحرزنا الهدف الأول، لكن تأتى الدقائق الأخيرة، بتشويق، أقسم أنه ليس موجودا في أفلام توم كروز "المهمة المستحيلة"، فالمنتخب الكونغولي يحرز هدف في الدقائق الأخيرة، ليكون علينا أن ننتظر حتى نلاعب غانا على ملعبها لنتعادل أو نفوز، وبالطبع انت لست في حاجة إلى أن أذكرك أن هذه النسخة من المنتخب المصري كانت تدافع فقط مع المدرب الأرجنتيني كوبر، وبالتالي الصعود من غانا كان أشبه بمعجزة، لكن تدخلا الهيا، أنقذ الموقف، بركلة جزاء لمنتخب مصر في الثانية الأخيرة من المباراة، ينفذها صلاح.
وبغض النظر عن أداء المنتخب السيء في البطولة نفسها، الذى دفع البعض لقول: "ياريتنا ما وصلنا"، إلا أن كثيرين ـ وأنا منهم الحقيقة ـ يرى أن الصعود في حد ذاته مكافئة، ليس تقليل من شأن المنتخب المصري، ولكن بسبب هذه "التروما" التي سببها لنا محمد عمارة ومجدي طلبة وبركات وغيرهم.
بعد تعادل مصر مع بوركينا فاسور في أرض الأخيرة، توقعت أن تقام الأفراح والليالى الملاح على السوشيال ميديا، إذ أفاجئ أن المباراة مرت مرور الكرام، كأننا خرجنا للتو من مباراة ودية، لا قيمة لها على الاطلاق.
الشعب المصري يعشق كرة القدم، ويذوب عشقا في منتخبها، لكن النسخ الماضية من المحاولات المستمتة للصعود لكأس العالم، علمتنا الكثير، من بينها ألا نبالغ في الفرحة، صحيح أننا في السنوات الأخيرة، كنا عندنا نلعب تصفيات كأس العالم، نواجه منتخبا واحدا قويا ومصنفا على الأقل، لكن القرعة والنظام الجديد لكأس العالم بمشاركة 48 فرقة، جعل المهمة سهلة ويسيرة، وتخطيها، يشبه عبور طريق خالى من السيارات، لكن يظل السؤال يراودني: "يعني ايه نوصل كاس عالم من غير معاناة؟"