محمد فرج أبو العلا

"التيك توكرز".. هدم القيم الأسرية الراسخة بزعم "الإبداع"

الإثنين، 04 أغسطس 2025 12:00 ص


في السنوات القليلة الماضية، شهدنا تصاعدًا غير مسبوق في تأثير تطبيق "تيك توك" على المجتمعات، خاصة الشرقية منها، التي عُرفت تاريخيًا بتمسكها بالعادات والتقاليد والقيم الأسرية الراسخة، فلم يعد "تيك توك" مجرد منصة لمشاركة المقاطع القصيرة، بل تحوّل إلى ساحة يومية لعرض ما يخالف الذوق العام، وينتهك في كثير من الأحيان القيم الأخلاقية والدينية.

أغلب من يُعرفون اليوم بـ"التيك توكرز" يقدمون أنفسهم كمبدعين أو مؤثرين، لكن الحقيقة التي يصعب تجاهلها أن كثيرًا منهم يسعى إلى الشهرة على حساب المبادئ. فبدلاً من تقديم محتوى هادف أو تثقيفي، نجدهم يتعمدون استخدام ألفاظ نابية، إشارات خارجة، وسلوكيات تخدش الحياء العام، متناسين أن جمهورهم لا يقتصر على الكبار، بل يشمل مراهقين وأطفالًا يتشربون هذا المحتوى ويعتبرونه معيارًا للسلوك "العصري" أو "الجرأة".

في مجتمعاتنا، لطالما كانت الأسرة هي الركيزة الأساسية في تكوين الأخلاق وتوجيه الأبناء، غير أن تأثير "التيك توكرز" بات يقوّض هذه القاعدة، ويخلق فجوة بين الأجيال، فقد أصبحنا نسمع جُملًا من نوع: "أنتوا قدام"، أو "الزمن اتغير"، في تبرير تصرفات مرفوضة مجتمعيًا، تُكتسب غالبًا من متابعة نماذج تحرض ضمنيًا على التطاول، التمرد، ونبذ رقابة الأهل.

هذا التمرد المتزايد على سلطة الأسرة أو توجيهاتها لا يحدث فجأة، بل هو نتاج تراكمي لمحتوى يُعيد برمجة وعي المتلقي، ويُلبس الانحراف ثوب "التحرر"، ويخلط بين حرية التعبير والانفلات الأخلاقي، ورغم أن كثيرًا من هؤلاء "التيك توكرز" ينفون نيتهم في التحريض على الفسق أو الفجور، فإن المحتوى نفسه يتحدث بوضوح، سواء من خلال إيماءات جسدية مبتذلة، أو حتى حوارات مشبعة بالإيحاءات الجنسية، يتم تصدير نموذج من "الشهرة الرخيصة" يمكن لأي شاب أو فتاة أن يحققه بمجرد التخلي عن الحياء والخروج عن المألوف.

يبدو الخطر مضاعفًا في المجتمعات المسلمة، التي تعتمد في بنيتها القيمية على مبادئ الإسلام في الحياء، واحترام الكبير، وصون الأسرة، وحسن الخلق، لكن تيك توك، للأسف، أصبح عند البعض مرآة لثقافة مغايرة تمامًا، تُكرّس الفردانية المطلقة، والانفلات، ورفض الضوابط الشرعية والاجتماعية، والقانون المصري يجرم مثل هذا السلوك وهذه الأفعال المشينة، وتطبيقه بكل حزم وحسم على هؤلاء بات ضرورة للحد من تأثيرهم المدمر على المجتمع.

لقد تحوّل بعض هؤلاء "التيك توكرز" إلى رموز مؤقتة يتبعهم آلاف المراهقين، بل ويقلدون حركاتهم وكلماتهم، مما أدىإلى تشوه في الذوق العام وانحراف في أولويات الشباب، الذين باتوا يرون الشهرة هدفًا بحد ذاته، حتى لو كانت عبر إثارة الجدل والتجاوزات الأخلاقية.

المجتمع، أصبح الآن أمام معركة جديدة لا تُخاض بالسلاح، بل بالوعي والفكر والتربية، ودور الأسرة لم يعد تقليديًا، بل صار أكثر تعقيدًا في ظل انفتاح غير مسبوق على المحتوى الرقمي، كما أن مسؤولية المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية باتت أكثر إلحاحًا في توجيه الشباب، وطرح بدائل إعلامية محترمة، وجذابة، تعزز القيم ولا تهدمها.

لا بد أن تعمل الدولة على تفعيل القوانين التي تحمي الفضاء الرقمي من الانحراف، وتُلزم المنصات مثل "تيك توك" بالخضوع لضوابط محلية، فحرية التعبير لا تعني التخلي عن القيم، ولا يمكن القبول بأن تتحول مواقع التواصل إلى منصات لهدم الأخلاق تحت ستار الإبداع أو "الترند"، ومن الواجب الآن أن نقف صفًا واحدًا، كمجتمع ومؤسسات وأفراد، لحماية أبنائنا وهويتنا، فالمعركة ليست ضد تطبيق إلكتروني، بل ضد موجة خفية تحاول تجريدنا من أعمق ما نملك: قيمنا، وأخلاقنا، وهويتنا.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب