عصام محمد عبد القادر

السمو

الأربعاء، 27 أغسطس 2025 04:11 م


فُطر الإنسان على سلوكيات، أودعها الخالق عز وجل فينا، ولها تصنيفات، أو أنماط نتعرف على ماهية أنماطها، وفق مدلول السلوك؛ فهناك غريزة نحافظ بها على بقاء النسل، نوسمها بالجنس، وهناك غريزة نرصدها في الحب، والميل، والتشارك، والتعاون، والولاء، والانتماء، نصفها بالاجتماعية، وهناك غريزة البقاء، التي نتعايش مفرداتها، إذا ما شعرنا بجوع، أو عطش، أو تهديد، أو خطر؛ فإننا دومًا نهرع تجاه ما يفي احتياجاتنا؛ لنبقى على قيد الحياة، وهناك تطلع، واستطلاع، واستكشاف، يتملك نوازعنا، يقع تحت ماهية الغريزة المعرفية، ونتفق أن جميعها من ضروريات الحياة دون مواربةٍ.

السمو حالة استثنائية، يتجاوز فيها الإنسان منا المستوى المادي؛ حيث لا يضع في أولوياته شهواته، ورغباته، وغرائزه، ويسيطر عليها بنقاء سريرته، ورقي خلقه؛ فتصبح الروح في انسجام مع اتصاف منظومة القيم النبيلة؛ فيغدو تأثير الجسد على الروح ضئيلًا؛ فيستطيع الفرد أن يهجر النقائص والصغائر، ويتمسك بفضائل الأخلاق، وقوامة السلوك، ويصير هوى النفس كعبير طيف، لا يؤثر على صفاء الوجدان، ولا ينال من رصانة الفكر، ولا يشوب الوعي، ولا يؤثر على العزيمة وإرادة أفعال الطيبات؛ ومن ثم تجد الطبيعة البشرية في نقائها المعهود.

إذا ما رغبنا في سمو الروح؛ فإن الثمرة اليانعة نعيشها في متعة الطاقة الإيجابية، التي نمارس بها أفعالًا ترتبط بسياج البناء؛ فترى الإنسان منا يقبل على أعماله بصدر منشرح، ويبذل جهودًا متوالية، لا ينتظر في عقباها مكافأة مادية، أو معنوية؛ لإدراكه أن المثوبة ممن منحه نعمة الحياة، ووعيه بأنه يؤدي رسالة وتكليفًا؛ لذا لا تجد السلبية طريقها إليه، ولا يتسلل إلى نفسه الإحباط، ولا تؤثر في قواه أحاديث الغيبة والنميمة، ولا يعرف للاستسلام منزعًا، بل، يواجه صعوبات الحياة وتحدياتها بكل ثبات وصمود؛ فيتجاوز العثرات، دون أن يشعر بألمه، أو أنين جرحه أحد.

الكرامة الإنسانية أحد دعائم الفلسفة، التي يقوم عليها السمو؛ فتجد الفرد السامي لا يتوقف عن سعي، يؤدي إلى نمو وازدهار وتقدم ونهضة حقيقية، تضيف إلى تراث البشرية؛ فيعبر عن حضارته، التي يستلهم منها هويته؛ ومن ثم يحافظ على ثوابته، ولا ينشغل بتفاهات، تصدرها مصادر أضحت منفتحة، في سماء عالم يعج بآفات تؤثر على النفس، ولا تتقبلها أرواح طاهرة، تربت في مناخ الإيمان، وتغذت على الفضيلة، واحتمت بوشاح القيم، وتجرعت من كؤوس المعرفة، فطافت في أفق، ساعدها على التمازج بالمعني والمغزى القويم.

ملامح السمو نراها في حالة الاتزان والتوازن، بين ما نحتاجه لمقوم الحياة، وبين ما يساعد الروح لبلوغ الصفاء؛ فتتكامل أطر السعادة في جنبات الإنسان منا، ويستطيع حينئذ أن يقدم أفضل ما لديه في محيطه الضيق والواسع على السواء؛ لذا يتأكد لدينا أن للسمو أهمية كبرى، تتمثل في تحقيق رغبات، تجميع ما بين المادية والروحية؛ فنشعر بالرضا الذي يساعدنا في الحفاظ على صفات تعزز حميد السلوك، وتحمينا من خصال، قد تورث في النفوس سلبيات غير مرغوب فيها، وهنا نوقن تأثير السمو على علاقتنا مع الآخرين؛ حيث أرى أنها تعمل على تحسينها وتطويرها، بل، وتحدث ما نسميه بالتواصل الفعال.

أصحاب السمو يمتلكون الذات الواعية، التي تكشف عن نقاط إيجابية، وتعززها، وتحدد سلبيات، وتضع لها علاجات ناجحة، وتتبنى منهجية واضحة، تستهدف التحسين المستمر في الأقوال والأفعال؛ كي تطمئن النفس، وتستقر السريرة، التي تضمن سلامة وطيب الكلم ورقي الممارسة، التي لا تنبري عن واحة الخير دومًا؛ حينئذ يدرك الإنسان منا أن الحياة في كليتها تستحق أن نعيشها آمنين مطمئنين، نقدر فيها الأمور بقدرها، ولا نغالي في مراحلها، ولا نركن على غيرنا في بلوغ غايات رسمناها، بل، نتوافق ونتكيف من أجل تحقيق مرامينا، التي تتفق مع ماهية الاستخلاف في الأرض.

رفعة المقام المستدام، لا يفارق قطعًا فلسفة السمو التي ننادي بها، في عالم أضحت تحكمه مادية بحتة؛ فمن يحوز ماهية اتصاف المصداقية، والنزاهة، والاستقامة، والكرم وسخاء العطاء، والإحسان الذي يعضد التكافل والوئام، والسلام، والعدالة، والمساواة، والشجاعة والإقدام؛ فتلك والله ويزيد عنها، تساعد في تكوين بنية، تتسم بالصمود، والقوة، والإرادة، والعزيمة، التي تمكنها من الحفاظ على مقدراتها، وصون تراب وطنها.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب