في ظل حرب الإبادة الجماعية التي تقودها إسرائيل على غزة، والضفة الغربية، فضلا عن التوغل فى الجنوب اللبنانى ومرتفعات الجولان السورية، هناك خطر حقيقى، بل فخ يتم نصبه بعناية شديدة، وذلك من خلال التعمد فى تضارب التصريحات للمسئولين الإسرائيليين بشأن الحرب، وبشأن قرارات المستوى السياسى، وتوجهاته، خصوصا في ملف الأسرى، والادعاء أن هناك خلافا وانقساما بين المستوى العسكرى – الجيش والمؤسسات الأمنية – والمستوى السياسى – نتنياهو وحكومته – لكن أعتقد أن ما يحدث ما هو إلا مناورة نفسية، وحرب إعلامية ونفسية تُدار وفقا لاستراتيجيات تتبعها إسرائيل خلال مراحل هذا الصراع منذ 1948.
هذا التناقض الواضح فى تصريحات مسؤولي الكيان حول حرب غزة، مؤكد أنه يأتي في إطار سياسة الخداع الاستراتيجي، لتصدير صورة أن إسرائيل دولة ديمقراطية، من ناحي،ة وأن هناك أزمة داخل القيادة من ناحية أخرى، لكن الخطر، والذى يجب أن ننتبه إليه جيدا، هو أن هذا التناقض والتضارب وتلك السياسة، تعد سلاحًا إسرائيليا في معركة الوعي، أى حرب نفسية مدروسة ومخطط لها، هدفها، مواصلة التبرير للاستمرار في الحرب، وأيضا إرباك المقاومة برسائل متناقضة تدفعها للتردد أو المغالاة، وأيضا بهدف تهيئة الداخل الإسرائيلى لأى سيناريو يعرضه المستوى السياسى أو يقرره، أو من أجل تحسين صورتها العالمية أمام الرأي العام الدولى.
وبالتالي تسعى إسرائيل إلى توظيف ما يحدث خاصة الانقسام المفتعل بفعل "هندسة الوعى المتقدم" إلى أداة تعبئة ليتوحد كل مكونات المجتمع الإسرائيلى حول الخوف من العدو الخارجي حتى ولو في خلافات وانقسامات داخلية ومن جهة أخرى لتعزيز وتبيض صورة إسرائيل أمام العالم والاستفادة من هذا الارتباك لصالح المخططات.
وختاما، ما يحدث من انقسامات وخلافات إسرائيلية ومن تضارب في تصريحات المسئولين، يأتي ضمن الهدف الأكبر لإسرائيل وهو إعادة رسم المنطقة، ولتشكيل الشرق الأوسط بالرؤية الإسرائيلية، وذلك باتباع كل الوسائل التي يمتلكها نتنياهو، ويمتلكها أيضا حلفاء الكيان، وعلى رأسهم الولايات المتحدة والغرب، سواء - عسكريا - أو سياسيا - أو أمنيا، وكذلك من خلال الحروب النفسية، كما يحدث الآن من تضليل وكذب وفخاخ إعلامية ممنهجة، لذا على الجميع أن يدرك ما تفعله إسرائيل وعدم الانسياق خلاف الإعلام الإسرائيلى فيما يبثه من تصريحات، وكذلك عدم أخذ تصريحات المسئولين على كل المستويات سواء كانت حكومة أو معارضة على أن هناك خلافا وأن هذا الخلاف قد يخدم القضية الفلسطينية، فكل هذا يتم وفق هندسة الوعى المتقدم والذى تعمل عليه إسرائيل بعناية شديدة لتحقيق أهدافها ومخططاتها..