خالد عزب

الجينوم البشرى.. سباق بحثى محموم وتساؤلات حول دوره فى علاج الأمراض المزمنة

الثلاثاء، 26 أغسطس 2025 12:00 ص


في العام 2000م بدأت منافسة دولية محمومة حول دراسات الجينوم، كان هذا العام نقطة تحول بسبب الاستثمارات الضخمة التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في هذا المجال، حيث هدف الطرفان إلى الانتهاء من أكبر المشاريع طموحا في تاريخ العلوم الطبيعية "البيولوجي"، وهو قراءة ثلاثة مليارات "حرف" للحمض النووي الذي يكون الجينوم البشري.

وكانت المجلات العلمية رأت حينئذ أن التوقعات من هذا المشروع مبالغ فيها، غير أننا الآن نرى أن التوقعات كانت أقل مما أدى إليه هذا المشروع الآن، فالتوقعات من الصحف والمجلات شيء، والبحث العلمي شيء آخر.

لقد استطاع العلماء خلال العشر سنوات الماضية اكتشاف تسلسلات الجينوم لأنواع لا حصر لها من النباتات وكذلك الحيوانات، بدءا من الفئران وحتى قرود الشمبانزي، ومن نبات قرّة العين وحتى الذرة، واستمروا في العثور على الجينات التي تسبب بعض الأمراض الوراثية النادرة مثل تليف المثانة.

وأبرزت التقنيات الجديدة غزارة التنوعات الجينية وأسهمت، مع العوامل البيئية، في ظهور مدى واسع لاختلالات معقدة وشائعة، بما في ذلك الجينات المسببة لأمراض كالسرطان والربو والأمراض العقلية والأزمات القلبية.

الآن، العديد من هذه الأمراض بات قاب قوسين أو أدنى من علاجات جديدة غير نمطية، تعطي المعلومات الجينية للعلماء فهما أفضل لأسبابها البيوكيميائية، والتي من شأنها أن تؤدي في النهاية إلى طرق علاجية فاعلة، حيث ستساعد الأطباء في القريب العاجل على التعرف على الأفراد الذين هم في مرمى الخطر لاختلالات جينية. وهذا ما يقوم به الآن في مصر مشروع بحثي يقوم عليه الدكتور مجدي يعقوب لدراسة السبب الجيني لانتشار مرض تضخم عضلة القلب لدى المصريين؛ هذا المشروع الذي بدأ منذ سنوات جاء بثمار بحثية ممتازة.

أصبحت التقنية التي ترتبط بالتنوع الجيني الفردي، التي تؤدي إلى سهولة الإصابة بالأمراض، معروفة بالدراسات المرتبطة بالجينوم، وتتضمن هذه التقنية المسح الضوئي للحمض النووي لعشرات الآلاف من الأفراد الذين يعانون من مرض محدد، ومقارنة ذلك بالحمض النووي لعينة سليمة صحيا، والتوصل إلى الاختلاف بين المجموعتين.

وأدى التقدم إلى تقنيات توفر قواعد بيانات حيوية مميكنة، مما أدى إلى بناء العديد من الدول خريطة جينوم لسكانها، وهو ما تقوم به مصر حاليا في مشروع بحثي ضخم يشارك فيه 15 مركزا بحثيا تحت مظلة أكاديمية البحث العلمي. لكن يبرز في مصر مركز جينوم جامعة زويل، الذي يمتلك مشروعا يقوم على طرح الأسئلة والبحث عن إجاباتها عبر البحث العلمي.

ومن أطروحات هذا المركز: إن الانقسامات في الحمض النووي تظهر في الحمض النووي كل يوم؛ ما الذي يستحث هذه الانقسامات؟ لماذا يختلف البشر في قدراتهم على إصلاح الحمض النووي؟ وهكذا تستمر الأسئلة التي يمكن أن نعتبرها منافسة من حيث الطرح لمراكز البحث العلمي المرموقة في العالم.

لقد كان تقدم الأبحاث الجينية في معرفة مسببات السمنة، أخطر الأمراض المنتشرة في العالم، عبر الفحص الجيني، سببا في ابتكار عدد من طرق العلاج الجديدة. كما أدى التوصل إلى الإشارات الجينية المرتبطة بمرض السكري، والتي زادت على 19 إشارة، وذلك من قبل جامعة أكسفورد، إلى فهم أفضل لهذا المرض، حيث يتميز بملمحين: خلايا البيتا في البنكرياس التي لا تفرز الأنسولين الكافي، وفي الوقت نفسه يصبح الجسم مضادا للهرمون، مما يترتب عليه الفشل في استخدام الأنسولين المتاح للجسم. واتضح أن العوامل الجينية الوراثية تؤثر في الأساس على خلايا البيتا، في حين تأتي مقاومة الأنسولين في معظمها من عوامل أسلوب الحياة مثل قلة ممارسة التمرينات الرياضية. وهذا يؤدي بالعلماء إلى فهم الأسباب المعقدة للأمراض الشائعة؛ فمن خلال فهم البيولوجيا فقط نستطيع البدء في عمل محاولات منطقية لعلاج الأمراض والوقاية منها.

هناك الآن عدد من الباحثين المصريين الواعدين في هذا المجال، منهم الباحثة سارة حجي، حين فقدت الباحثة المصرية في بحوث السرطان بجامعة هايدلبرغ الألمانية، سارة حجي، إحدى قريباتها قبل عشر سنوات، بسبب مرض السرطان، موقفا مأساويا لمريضة كانت تستعد لحفل زفاف، شكّل «نقطة تحول» في مسيرة الباحثة الشابة التي استكملت دراساتها العليا في بحوث السرطان بألمانيا، بعدما درست البكالوريوس في تخصص الصيدلة والعلوم الحيوية بالجامعة الألمانية بالقاهرة.

بعد ذلك، فازت «حجي» بجائزة «Richtzenhain» من المركز الألماني لأبحاث السرطان كأفضل بحث في مجال السرطان في ألمانيا. توصلت «حجي» عبر بحثها خلال دراساتها العليا بجامعة هايدلبرغ الألمانية، والمركز الألماني لبحوث السرطان، إلى اكتشاف أن تأثير الهرمونات الجنسية «ليس مقتصرا فقط على الأعضاء الجنسية، ولكن على أعضاء أخرى مثل الأمعاء»، حيث تذهب هذه الهرمونات إلى الخلايا الجذعية في الأمعاء وتنقسم، مما يؤدي إلى تطور في حجم الورم. ولم تكن الدراسات السابقة تربط بين تلك الهرمونات وحجم الورم، بل كانت تعتبر وجود هرمونات جنسية عالية في أعضاء غير جنسية كأعضاء الجهاز الهضمي «مسألة عادية»، إلى أن قدم بحث «حجي»، التي درست الماجستير في تخصص «بيولوجيا السرطان»، تفسيرا يوضح ويربط بين الهرمونات والأورام في هذا الجزء من الجسم.

وستسمح نتائج بحث سارة حجي بطرق علاج جديدة للتأثير على سلوك الخلايا الجذعية أثناء المرض، والتحكم في ميلها إلى الانقسام بما يتجاوز احتياجات الكائن الحي، حيث تؤدي انقساماتها، في الظروف العادية، إلى تطور في حجم الورم.

من المعروف أن آثار الهرمونات الجنسية تكون عادة على الأعضاء الجنسية كالصدر، لكنني اكتشفت وجود أثر للهرمونات الجنسية التي تأتي من المبايض على الأعضاء غير الجنسية مثل البنكرياس، حيث تؤثر على حجم الأمعاء لمساعدتها في امتصاص مواد غذائية أكثر في الحالة العادية، وبالتالي تؤثر في حالات الإصابة بالسرطان على زيادة حجم الورم.

ساعدت هذه النتائج سارة حجي على افتراض وتفسير الدور الذي يلعبه إفراز الهرمونات الجنسية بشكل أكبر لدى السيدات المصابات بالسرطان، وعلاقته بشدة وتطور المرض بشكل أسرع، حيث يحدث هذا من خلال الخلايا الجذعية وسرعة انقسامها بفعل هذه الهرمونات، ما يؤدي إلى أمراض مثل الشيخوخة والالتهاب بشكل أكبر، وهو ما يزيد من سرعة تطور السرطان. ومن المقرر أن يتم استكمال البحوث حول اكتشاف الباحثة الشابة بمركز أبحاث السرطان لجامعة يوتا الأمريكية، عبر إجراء الأبحاث ذاتها على الفئران، ومعرفة ما إذا كانت الهرمونات الجنسية توجد لدى الفئران المصابة بالسرطان في الأمعاء أم لا.

وستشمل الخطة البحثية في الفترة المقبلة اكتشاف مدى تأثير المصادر البروتينية، ذات التأثير، على زيادة نسبة الهرمونات على الصحة العامة، وعلى نمو حجم الأورام السرطانية لدى المصابين.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب