هل تعلم عزيزى القارئ أن السيدة فيروز خاصمت ابنها زياد الرحبانى عامين، هل تعلم أيضًا أن زوجته دلال كرم نَسَبَت له ابنًا ليس ابنه، و هل تعلم أن حبيبته كارمن لُبّس ابتعدت عنه وتركته بعد قصة حب استمرت 15 عامًا رغم تعلّقَهُ بها ؟!
نَعلَم أن مِن رَحِم المعاناة يولَد الإبداع، والحقيقة أن زياد عاش معظم حياته حزينًا وحيدًا، لأن الصدمات كانت كثيرة ومتتالية، وجد فى الوحدة السلام والهدوء والراحة، وجد أن الوحدة خالية من الخيانات الصادِمة..
الحُب ظَلَم زياد، لكنه غَنّى عن الحُب، تحدّثَ عن الحنين، والحيرة، والخلافات، والرفض، والغياب، والإحباط، وفَضّلَ العُزلة..
كان يكتب أغانيه عن الحب بعد انتهاء علاقة الحب، لأنه يرى أن العلاقة أحسن من الأغنية، لا يُحب الانشغال فى التأليف والتلحين طالما أنه يعيش قصة حب، لكن بعد انتهائها يكتب ويُلحّن، مثلًا أغنية "روح خَبّر"، و"مربى الدلال" كتبهما ولحّنهُما زياد بعد انتهاء زواجه من دلال، و "عندى ثقة فيك" كتبها ولحّنها بعد انتهاء قصة الحب مع الفنانة كارمن لُبّس..
عن علاقته بوالدته السيدة العظيمة فيروز، حدثت قطيعة بينهما استمرت عامين، بسبب ميول والدته السياسية واختلافهما فى وجهات النظر، فترة مؤلمة عانى منها زياد الرحبانى اليسارى الثائر، ثم انتهت بالتصالح، عندما بادر بشجاعة وأنهى هذه القطيعة، بلُطف وذكاء وتسامُح ومَحَبّة وهدوء..
وكشف زياد الرحباني فيما بعد أنها لم تكُن السبب فى القطيعة، لكن الاختلاف في وجهات النظر كان بسبب القائمين على إدارة أعمالها فى ذلك الوقت..
تزوّج زياد الرحباني من دلال كرم، ورُزق بولد أطلق عليه اسم "عاصي"، على اسم والده الموسيقار الكبير عاصى الرحبانى، إلا أنّه تبيّن فيما بعد أنّه ليس ابنه البيولوجي، من خلال تحليل DNA، ثم انتهت علاقة زياد ودلال بالطلاق.
دخل زياد الرحبانى فيما بعد في علاقة استمرت 15 عامًا مع الممثلة اللبنانية كارمن لُبّس، ثم انتهت أيضًا.. الغريب هو ظهور كارمن فى جنازة زياد مؤخرًا باكية حزينة على الفراق، وهو الأمر الذى يطرح سؤالًا بديهيًا: لماذا ابتعدتِ عنه رغم كل هذا الحب ؟! أم أن هذا البكاء تعبيرًا عن الندم على الفراق ؟!
أُفَسّر سبب كل هذا البُكاء هو شعورها بالندم، لأنها ابتعدت، تخلّت عنه، خذلته، لأنها لم تكُن السَنَد في أيامه الأخيرة، تشعُر بالندم لأنها لم تُوضّح مدى حُبها له، وأهميته بالنسبة لها عندما كان على قيد الحياة..
لم يرُزق زياد الرحباني بشريكة الحياة التى تُحِبه حُب غير مشروط، لم يكن محظوظًا في الحُب، كان يشعر دائمًا بالوحدة، لذلك فضّل ترك هذه الحياة الظالمة بدون معافرة..
من خلال متابعتى لتصريحات كارمن لُبّس عن زياد فى عدد من اللقاءات التلفزيونية، أجد أن شخصيتها قوية ومستقلة للدرجة التى لم تُشعِرهُ بالأمان، لم تُشعِرهُ بالاحتواء، تخلّت عنه عندما احتاج لها، فلم يتمسّك بالحياة، كما يفعل كثيرون..
كان يهرب إلى الفن ليتجاوز الخيبات في الحياة والخذلان، والوحدة، واليأس، والاكتئاب، هذه الخيبات التى كثيرًا ما تصنع فنانًا استثنائيًا عابرًا للقارات والأزمنة والعصور.. لذلك نُصنّف الموسيقار اللبنانى الشهير زياد الرحباني أنه صاحب مدرسة في الموسيقى العربية والمسرح العربي المعاصر.
لكن لم يمتلك زياد الرحباني السبب الذى يجعله يُعافر ويحارب المرض، عانى من تشمُّع الكبد، واستدعت حالته إجراء عملية زراعة كبد، لكنه رفض إجراء العملية، ورفض استكمال العلاج، ورفض استمرار الشعور بالألم والمعاناة، وقرر انتظار الموت بكل شجاعة ونُبل، والرحيل بسلام..
الطبيعى أننا نعيش ونتحمّل مصاعب الحياة عندما نشعر بمن يحبوننا مُعلّقين في رقابنا، نشعر بالمسؤولية تجاههم، نُعافر فى هذه الحياة الصعبة من أجلهم، لنظل معهم، نعتنى بهم ونُشعِرهُم بالوَنَس والاحتواء والاهتمام والحب الأبدى غير المشروط..
لو استشعرت يا زياد طاقة الحب الحقيقي التى يشعُر بها عشاقك تجاهك، المتضامنون معك من مختلف أنحاء العالم لأنك تشبههم، كنت ستُواصل العلاج، كنت سَتَتَمسّك بالحياة، كنا سننعم بمزيد من فن زياد الرحباني، لكن الحُب ظلمك، فشعرت باليأس، والظلم.. أعذُرَك، و أُدرِك أن الظُلم فى الحب يُفقِد الإنسان القُدرة على استكمال الحياة..
أتمنى أن تنعم بالراحة والسلام فى قبرك.. الله رحيم، لأنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، الله أرحم من البشر، الذين يدّعون ويُمثّلون ويسعون وراء مصالحهم فقط..
كُنتَ تستحق حياة ألطف يا زياد، حياة مليئة بالحب والسلام والاحتواء، لكنك رسالة لنا لنتذكر أن الحياة ليست عادلة دائمًا..
نتعلّم من زياد الرحبانى أنه رغم الحياة القاسية التى عاشها، إلا أنه صنع فنًا متميزًا أسعد عشاقه فى لبنان والوطن العربي ومختلف أنحاء العالم، لم يستسلم للاكتئاب، بل ترك كنز، فريد من نوعه، موسيقى وألحان، كلمات وشِعر، أغانى بديعة ومسرحيات متميزة وأفكار مؤثرة ستعيش للأبد فى قلوب وعقول عُشاقه..
تُذكّرُنا رحلة زياد الرحبانى في الدنيا أن الإنسان يستحق الحب رغم اختلافه، رغم اختياراته وقراراته، يستحق الإنسان الحب غير المشروط، يستحق الإنسان أن يشعر أنه غالي، يتمسّك به محبيه، لا يمكن التفريط فيه مهما حدث، يستحق الإنسان أن يشعر أنه لا يمكن التخلى عنه واستبداله.. مهما كانت الظروف صعبة وقاسية..
أدعو الله أن يرزُقنا دائمًا نور البَصَر والبصيرة، والشعور بالأمان والاحتواء، أن نستشعر طاقة الحب من حولنا، أن نُدرك الحب الصادق غير المشروط.. أدعو الله دائمًا ألا نرحل بشعور الوحدة والألم واليأس والمعاناة.. وأن يملأ الله قلوبنا فى لحظة النهاية بالاطمئنان والأمان والسلام..