حسين السيد يكتب: علاقة طه حسين بأدباء عصره

السبت، 05 يوليو 2025 02:00 م
حسين السيد يكتب: علاقة طه حسين بأدباء عصره طه حسين عميد الأدب العربي

 الرافعى

لم تكن العلاقة بين الأدباء المصريين علاقة كلها خصام ونقد وكره وبغض، وإنما كان التقدير والإجلال والاعتراف بفضل الآخرين هى السائدة بينهم، وقد تذكر عزيزى القارئ المعارك التى كانت بين الدكتور طه حسين والأديب الكبير مصطفى صادق الرافعى بدءا من نهاية عام 1912؛ حيث امتدح حفنى ناصف كتاب الرافعى "حديث القمر"؛ وهنا يكتب طه حسين مقالة مفادها أن الرافعى هو من ألح على حفنى ناصف ليشيد بكتابه، ثم نشر الرافعى كتابه "رسائل الأحزان" ليهاجمه طه حسين أيضا على صفحات جريدة "السياسة" بعدة مقالات، ليأتى العام الأشهر فى الثقافة المصرية وهو عام 1926 حيث يصدر خلاله طه حسين كتابه "فى الشعر الجاهلى"، وهنا ينتفض الرافعى ويشمر عن ساعديه ويكتب مقالات عدة مهاجما طه حسين، بلغت مقالاته العشرين مقالة، لتشكل كتابه الشهير "تحت راية القرآن".

هذا هو الظاهر على السطح، لكن ما فى القلب هو أن طه حسين يعتد بأدب وفكر الرافعى، وكذلك الرافعى يشهد لطه حسين بالنشاط والعلو، فيقول فى كتابه "رسائل الرافعى":"وطه يا أبا رية مُجدٌّ فى أعماله"، وقال أيضا فى 25 نوفمبر سنة 1930: "أما طه حسين فليس بالضعيف الذى تتوهمه، وهو فى أشياء كثيرة حقيق بالإعجاب، كما هو حقيق باللعنة"، ويمكن مراجعة كتاب "معارك طه حسين الأدبية والفكرية" لسامح كريم، ورسائل الرافعى إلى أبى رية.

ومن مروءة طه حسين مع أسرة الرافعى ما ذكره الأستاذ حسنين حسن مخلوف من أن طه حسين عندما كان عميدا لكلية الآداب وعرف أن بنت الرافعى لم تستطع دفع المصروفات فطلب من اللجنة المختصة أن تمنحها المجانية، وقال العميد: إذا كانت هناك عقبات فأنا على استعداد لدفع مصروفاتها من جيبى.

وقال الأستاذ محمد سعيد العريان وهو من تلاميذ الرافعى المخلصين، وصاحب سيرة حياته: قلت لطه حسين إن الدكتور الرافعى – ولعله محمد ابن الرافعى- الذى عاد من البعثة وعين طبيب وزارة المعارف لا يستطيع أن يحمل عبء الأسرة كاملا بعد وفاة والده ومعاش أسرة الرافعى قليل جدا فتأثر طه حسين وقال لسعيد العريان: فى أى درجة مالية هو؟ قال فى الدرجة الخامسة، قال طه سأسعى فى الوزارة ليأخذ الدرجة الرابعة، وقد كان". راجع "مصطفى صادق الرافعى – حياته وأدبه" لحسنين حسن مخلوف.

ومن مروءة طه حسين أيضا أنه عند وفاة الرافعى أرسل برقية إلى ولده، ويقول سعيد العريان، وهو حزين أن لم يقم واحد من الأدباء بنعى الرافعى إلا واحدا فقط: "ولقد اهتزت بلاد العربية كلها لنعى الرافعى وما اختلجت نفس واحد من خصومه فكتب إلى أهله كلمة عزاء، إلا رجلًا واحدًا كتب برقية إلى ولده، هو الدكتور طه حسين بك، فلا جَرم كان بذلك أنزه خصوم الرافعى وأعرفهم بالأدب اللائق!

محمود شاكر


أما علاقته بالشيخ محمود شاكر فكانت محل تقدير وإعزاز من الجانبين، فكان طه حسين لا يرفض إطلاقا طلبا للشيخ شاكر، وهذا العلامة الشيخ محمد محمد أبو موسى يذكر أن الناس كانوا يقصدون الشيخ شاكر ليتوسط لهم عند طه حسين لقضاء مصالحهم، ويقول طه حسين للشيخ شاكر: يا محمود، كل طلباتك مجابة على الفور.

ويذكر الشيخ شاكر بعض مآثر طه حسين وهو الذى لزمه وخبره وعايشه سنوات طوالا، ويقول فى حوار أجراه معه الأستاذ سامح كريم، بعد أن استعرض كتابه "فى الشعر الجاهلى": "لقد لقى طه حسين يومئذ ما لقى، ونسب إليه ما أقطع بأنه برىء منه، والدليل على براءته عندى هو أنه منذ عرفته في سنة ١٩٢٤، إلى أن توفى فى ٢٨ أكتوبر ١٩٧٣، كان كما وصفته فى أول حديثى؛ محبا للسانه العربى أشد الحب، حريصا على سلامته أشد الحرص، متذوقا لروائعه أحسن التذوق، فهو لم يكن يريد قط باللسان العربى شرا، بل كان من أكبر المدافعين عنه، المنافحين عن تراثه كله إلى آخر حياته. ومحال أن يحشر من هذه خصاله فى زمرة الخبثاء ذوى الأحقاد من ضعاف العقول والنفوس، الذين ظهروا في الحياة العربية لذلك العهد، بظهور سطوة" الاستعمار" وسطوة" التبشير "وهما صنوان لا يفترقان".

حسين السيد
حسين السيد


ويتابع الشيخ حديثه، قائلا: "ودليل آخر، وذلك أنَّه حين انجلى غبار ما أثاره طه حسين بكتابيه: "فى الشعر الجاهلى "فى سنة ١٩٢٦ و"مستقبل الثقافة فى مصر" سنة ١٩٣٩، وهما كتابان لا قيمة لهما من الوجهة العلمية، انجلت بعد ذلك نفسه، وناقض به ما كتبه وما قاله كل ما في هذين الكتابين من فساد. ومرد ذلك إلى هذه الخصال التى كادت تكون فى نفسه، وفى حبه للعربية وحرصه على سلامتها، وما هداه الله إليه من حسن التذوق لروائع البيان"، راجع جمهرة مقالات الشيخ محمود شاكر.
لقد كان الشيخ محمود شاكر حريصا على تبرئة طه حسين مما لصق به من اتهامات، ومن ذلك ما أورده فى كتابه "رسالة فى الطريق إلى ثقافتنا"؛ حيث قال: "قد بينت فى بعض مقالاتى أن الدكتور طه قد رجع عن أقواله التى قالها فى الشعر الجاهلى، بهذا الذى كتبه، وببعض ما صارحنى به بعد ذلك، وصارح به آخرين، من رجوعه عن هذه الأقوال".

زكى مبارك


وعن علاقته بالأديب الكبير زكى مبارك، فلا أميل إلى أن بين الاثنين كانت معارك طاحنة، وإنما هى لوم وعتب وعذل وتأنيب من الدكتور زكى مبارك على طه حسين. إن زكى مبارك كان يجل طه حسين إجلالا كبيرا، ولا غرو فى ذلك فقد كان مثل زكى مبارك الأعلى، ولا تلتفت إلى ما قيل بأن معركة دبت بينهما، حتى إنهم سموها "لقمة العيش"، صحيح أن طه حسين رفض تجديد عقد زكى مبارك بالجامعة، وهو ما جعل زكى مبارك يكتب: "لقد ظن طه حسين أنه انتزع اللقمة من يد أطفالى فليعلم حضرته أن أطفالى لو جاعوا لشويت طه حسين وأطعمتهم لحمه ولكنهم لن يجوعوا ما دامت أرزاقهم بيد الله"، كما لا ننسى تجاهل طه حسين لكتاب زكى مبارك "النثر الفنى فى القرن الرابع" وهو ما جعله يثأر لنفسه من هذا التجاهل. لكن زكى مبارك كان طيب القلب، يحفظ لطه حسين مكانته، ويعترف بفضله، ويدافع عنه دفاعا حرا، فيقول، عقيب معركة "فى الشعر الجاهلى":"طه حسين هذا يزعم فريق أنه ملحد، ويزعم آخرون أنه يدعو إلى الفسق والمجون، وأقسم بالله صادقا ما رأيت من هذا الرجل وقد صاحبته اثنى عشر عاما إلا القلب الطيب والأديب البارع والخلق المتين..". كما دعا زكى مبارك سنة 1944 إلى تكريم طه حسين، فنشر فى جريدة "المصرى" كلمة يدعو بها إلى تكريم طه حسين بمناسبة ظهور الجزء الثالث من "على هامش السيرة".

  وقال أيضا زكى مبارك فى مقال له عن طه حسين وقد وصفه بأنه عدو لكنه عزيز: "إنه عدو عزيز! إى والله، فما أذكر أنى عاديت إنسانا أحبه قبل الدكتور طه حسين، والعداوة والحب يجتمعان فى القلب الواحد، وإن عجب من ذلك من لا يفقهون، وآية الصدق فى هذه القضية أنى لم أتورط فى عداوة الدكتور طه حسين إلا منذ أشفقت عليه..".
كان زكى مبارك يعطى طه حسين قدره اللازم، كما كان دائم الزيارة إلى بيت طه حسين، وكان طه حسين يحبه ويحب مزاحه.


 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة