لاشك، أن قمة بغداد أتت في وقت شديد الخطورة والحساسية، وفى ظل اضطرابات عديدة ومعقدة تعانى منها المنطقة العربية والشرق الأوسط كله، لذلك الأنظار اتجهت إلى إعلان بغداد باعبتاره بارقة أمل جديدة قد يستغلها العرب، وهو ما سعت إليه بغداد بالتطرق لـ11 أزمة وجرح في الجسد العربى، فكان الجرح الأول الغائر ما يحدث في غزة، والدعوة لوقف الحرب، والمطالبة بوقف الاعتداءات الإسرائيلية على سيادة لبنان وسوريا والانسحاب من أراضيهما، ودعوة الأطراف السورية إلى الانخراط في حوار وطني شامل، ومواصلة العملية السياسية في ليبيا، ودعم الحقوق المائية لمصر والعراق وسوريا، ليظل الرهان - حال كل قمة عربية - على أن تتحول تلك الدعوات والكلمات والإدانات إلى قرارات وإجراءات تنفذ على الأرض.
وأهم ما جاء في قمة العراق هو الموقف المصرى الذى تحدث عنه الرئيس السيسى، ونال إشادة الجميع، لأنه ببساطة جسد روح التضامن وإعلاء المبدأ، خاصة أن كلمة الرئيس السيسي ليست فقط بيانًا سياسيًا، بل هي دعوة صادقة للتلاحم العربي، ورؤية استراتيجية نحو بناء مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة، يُعيد إلى شعوبنا الأمل، ويثبت أن في وحدة الموقف قوة، وفي التضامن حياة.
وتصدر الحق الفلسطيني إعلان بغداد وكلمة الرئيس السيسى، فكانت الدعوة إلى تقديم الدعم السياسي والمالي والقانوني للخطة العربية الإسلامية المشتركة التي اعتمدتها قمة فلسطين بالقاهرة بتاريخ 4 مارس 2025، والترحيب بالمقترحات والمبادرات التي تقدمت بها الدول العربية لإنشاء صندوق لإعادة إعمار غزة، تزامنا مع ضرورة التنسيق المشترك للضغط باتجاه فتح جميع المعابر أمام إدخال المساعدات الإنسانية، وتمكين وكالات الأمم المتحدة من العمل في الأراضي الفلسطينية، وكذلك التأكيد على الرفض القاطع لأي شكل من أشكال التهجير للشعب الفلسطيني.
رغم بوادر الأمل بشأن سوريا بعد قرار ترامب برفع العقوبات، إلا أن العرب دعوا في بغداد لحوار وطني شامل في سوريا انطلاقا من احترام خيارات الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه والحرص على أمن واستقرار سوريا، ورفض جميع التدخلات في الشأن السوري، وإدانة الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الأراضي السورية، والأهم فتح الطريق أمام تسريع وتيرة التعافي وإعادة الإعمار.
ومن أجل مواجهة التحديات والحفاظ على أمن لبنان واستقراره ووحدة أراضيه، كانت الدعوة بضرورة تشجع جميع الكيانات السياسية على التفاهم والابتعاد عن لغة الإقصاء، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، والالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 1701، فضلا عن إعلان التضامن مع اليمن، فكانت الدعوة لضرورة الحفاظ على سيادته، ووحدته من خلال إنهاء حالة الحرب والانقسام وإيجاد الحلول عبر الحوار الداخلي وتوفير الظروف الملائمة لتحقيق السيادة والازدهار، ورفض جميع أشكال التدخل في شؤونه الداخلية.
وفيما يخص السودان، كانت الدعوة إلى التوصل إلى حل سياسي لإيقاف الصراع، ودعوة كافة الأطراف إلى الانخراط في مبادرات تسوية الأزمة مثل مبادرة إعلان جدة وغيرها من المبادرات، وكذلك التطرق إلى أزمة ليبيا المشتعلة والدعوة إلى حل الأزمة فيها عبر الحوار الوطني وبما يحفظ وحدة الدولة، ورفض جميع أشكال التدخل في شؤونه الداخلية وخروج كافة القوات الأجنبية والمرتزقة في مدى زمني محددة، ودعوة مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى الاستشاري للدولة بضرورة سرعة التوافق على إصدار القوانين الانتخابية التي تلبي مطالب الشعب الليبي لتحقيق الانتخابات البرلمانية والرئاسية المتزامنة وإنهاء الفترات الانتقالية.
إضافة إلى الدعوة لدعم الصومال ووحدة أراضيه، والعمل على تعزيز قدراته وتمكينه من الاستجابة للتحديات التي تواجهها في المرحلة الراهنة، غير الحديث عن الأمن المائي والأسلحة النووية كأحد الأخطار التي تواجه المنطقة، لذا كان التشديد على ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، باعتبار أن الأمن المائي يشكل ركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي العربي، وذلك بالتشديد في على أهمية دعم الجهود التي تبذلها كل من مصر والعراق والسودان وسوريا، لضمان حقوقها المائية المشروعة، مع دعم المحادثات النووية الأمريكية الإيرانية للتوصل إلى نتائج إيجابية لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية.
وأخيرا، أستطيع القول إنه، رغم كل هذه الدعوات والتطرق لكل الأزمات فى إعلان بغداد وبصرف النظر عن تنفيذ مخرجات الإعلام من عدمه، فقد أثبتت مصر من جديد، أنها تقف فى مواجهة الدمار السياسى والإنسانى في مناطق الصراع، لا تزايد ولا تساوم ولا تفرّط وتتصدى للمؤامرات، وتحاور العالم شرقًا وغربًا، وتُصر على المبدأ والوحدة الوطنية فى زمنٍ تراجعت فيه القضايا وتبدّلت الأولويات.