مها عبد القادر

رمضان... نفحات الإيمان وتجليات الرحمة

الأحد، 02 مارس 2025 04:22 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يهل هلال شهر رمضان المبارك، فتُضاء القلوب بنور الإيمان، وتتهلل الأرواح شوقًا لنفحاته الزكية العطرة، وتهفو لاستقبال أيامه المباركة، وكأنها على موعد مع زمن مختلف، تفيض فيه البركات، وتصفو فيه النفوس، إنه الشهر الذي تتجلّى فيه الرحمات، ويتسابق العابدون لنيل المغفرة، ويتنافس الصالحون في دروب الطاعات، فما أعظمه من موسم تُصفَّد فيه الشياطين، وتُفتح أبواب الجنان، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، وهو شهر استثنائي يحمل في طياته الكثير من المعاني الإنسانية والعائلية، هو موسم من الروحانية والتأمل والتراحم، حيث تتجلى القيم السامية وتتعمق الروابط الأسرية، وتُغرس في النفوس أسمى معاني التكافل والتضامن، إنه الشهر الذي تتفتح فيه القلوب على الخير، وتفيض بالمحبة، وتنقش الذكريات التي تبقى خالدة في الوجدان.


وشهر رمضان ليس مجرد شهر للصيام والامتناع عن الطعام والشراب، بل هو محطة لتزكية و تهذيب النفوس والسمو بالروح وترويضها على الصبر، وتعين على مجاهدة الهوى وتجديد العهد مع الله، في لياليه تُرفع الأكفُّ بالدعاء وتنهمر الدموع في الخشوع وتتنزّل السكينة على القلوب الطاهرة، قال الله عز وجل في كتابه الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)"البقرة: 183"، فالصيام مدرسةٌ تُعلّم ضبط الرغبات وكبح جماح النفس، حتى نسمو بالروح إلى معارج النقاء.


ويتجلى البعد الإنساني في رمضان من خلال روح العطاء والبذل، حيث يسود الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، ويزداد الإقبال على فعل الخير سواء عبر الصدقات أو موائد الإفطار الجماعية أو تقديم المساعدة بطرق مختلفة، مما يعكس روح التآخي التي تميز هذا الشهر الفضيل، كما أن التجربة الروحية للصيام تقوي الإحساس بالتواضع والصبر، وتغرس في النفوس معاني الامتنان لكل النعم التي نملكها وقد ألفناها وغفلنا عن شكرها حتي نقدّرها حق قدرها، ويُزين الشهر المبارك جوهرة ثمينة، وهي القرآن الكريم ربيع القلوب وشفاء الروح، الذي نزل في هذا الشهر المبارك، قال تعالي )شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ("البقرة: 185" فشهر رمضان والقرآن صنوان لا يفترقان، وفيه تتضاعف الحسنات لمن تدبر آياته، مستشعرًا لذّة التلاوة، وعظمة الهداية.


وتتزين البيوت قي شهر رمضان بأجواء الفرح والجلسات والاجتماعات العائلية الدافئة، وتلتئم حول موائد الإفطار والسحور، ويتشارك الجميع لحظات لا تُنسى وذكريات جميلة، ويُمثل رمضان فرصة ذهبية لتعزيز العلاقات الأسرية والاجتماعية، حيث يتجدد الود من خلال لحظات السمر أو التحضير الجماعي للإفطار وأداء العبادات معًا؛ فرمضان يعيد للأسر ألقها ويرسّخ في النفوس قيم التعاون والود والاحترام المتبادل، حيث يُعد الشهر الكريم مدرسة أخلاقية وروحية تعلمنا الكثير من الدروس، وأهمها الصبر والإحسان والرحمة، ويذكرنا بقيمة البساطة في العيش، حيث ندرك أن السعادة الحقيقية لا تكمن في الامتلاك، بل في العطاء والرضا، ومراجعة الذات والتخلص من العادات السلبية، واكتساب عادات جديدة تُقوي الشخصية وتُعمق الإيمان.


ولكل شخص ذكريات خاصة مع رمضان، سواء كانت ترتبط بطفولته، حين كان يتابع بشغف أجواء التحضير للإفطار، أو لحظات انتظار مدفع الإفطار، أو ليالي التراويح المفعمة بالخشوع، أو حتى تلك الأوقات التي كان يجتمع فيها مع أفراد عائلته حول مائدة الطعام وسط أجواء يغمرها الحب والضحك، هذه الذكريات تظل محفورة في الوجدان، وتزداد قيمتها مع مرور الزمن، لأنها تختزل أوقاتًا من الصفاء والتآلف لن تتكرر بنفس التفاصيل، لكنها تبقى في القلب كنسائم دافئة تعيدنا إلى أجمل اللحظات.


وما أجمل ليالي رمضان حين تصدح المساجد بتلاوات خاشعة، وتتهادى الأرواح في ركعاتٍ تفيض بالسكينة فصلاة التراويح هي جلسة روحية، تأنس بها الأرواح في محراب الطاعة وتتجلى فيها معاني العبودية، ويتذوق العبد فيها حلاوة القرب من الله، فتخشع جوارحه، وتدمع عيناه، ويشعر بأنّه في ضيافة الرحمن، إنها لحظات تهز الوجدان، وتقرب العبد من مولاه، فيشعر بحلاوة الطاعة ولذّة القرب.


ويُعد رمضان مدرسة للأخلاق فيتنافس الصالحون وتتآلف القلوب وتتجسد معاني التكافل الاجتماعي، قال رسول الله ﷺ "أفضل الصدقة صدقة في رمضان"، فما أجمل أن يكون رمضان موسمًا للبذل، وساحة يتسابق فيها أهل الإحسان، ويبقى الأمل معقودًا أن نكون من الفائزين بقبول الطاعات، فهنيئًا لمن أحسن الصيام، وأخلص القيام، واستزاد من الخيرات، فأهم ما يميز رمضان أنه محطة للتغيير والتجديد، حيث يجد الإنسان فيه فرصة لإعادة ترتيب أولوياته، ومراجعة مسيرته، والتقرب أكثر من نفسه ومن خالقه إنه الوقت الذي يوقظ فينا الجانب الأجمل، ويدفعنا لنكون أكثر عطاءً وامتنانًا، وأقرب إلى إنسانيتنا؛ فلنجعل من رمضان نقطة انطلاق نحو الأفضل، وليس مجرد شهر نمر به ونغادره، بل ليكون تجربة تبقى آثارها معنا طوال العام، اللهم اجعلنا من المقبولين في رمضان، وأعنّا فيه على الصيام والقيام، واجعلنا من عتقاء النار واغفر لنا تقصيرنا، وأكرمنا ببلوغ رمضان أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة وأنت راضٍ عنا يا الله... آمين.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة