أكرم القصاص

عناد إبراهيم داود والناس الحلوة.. سيرة مبدعى مصر الكبار

السبت، 01 مارس 2025 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

هو أحد حراس الذاكرة الثقافية والاجتماعية فى مصر، وأحد حراس القاهرة، بالرغم من أنه يفخر دائما بأصوله من قلب الدلتا، حيث النيل والحكمة والمعرفة والفطرة العميقة، ويبدو دائما أنه يعرف أسرار وخلطات الروح المصرية، روح الفلاح الصبور الحكيم الحنون المبدع فنا وحياة.


هو الشاعر والكاتب الصديق إبراهيم داود، المولع بكتابة وقراءة سير هؤلاء الذين ما إن يغادروا قراهم إلى القاهرة حتى يحملوا روحهم وفطرتهم وحكمتهم فى قلوبهم، ويزرعوا أفكارا وأشعارا وروايات وحكايات تزهر وتثمر وتضىء من غير زيت.


فى كتابه الجديد «عناد الثيران.. سيرة الناس الحلوة»، الصادر عن دار بتانة ويبدو فيه إبراهيم داود كعادته حريصا على تسجيل كل ما يمكن ان يبقى بالذاكرة حول أشخاص مبدعين بعضهم مشهور وكلهم صاحب أفضال وكرامات على الثقافة والأدب والفكر، حتى ولو لم يكن بعضهم معروفا، إبراهيم داود فى كتابته يهتم بالقيمة ويحرص على إضاءة كل الصور المبهرة فى الثقافة والفن.


إبراهيم داود، شاعر مهم وكبير، وفى نثره وسرده، يحرص على جمل شاعرية ذات إيقاع إنسانى، يرسم صور شخصياته ببراعة رسام وقدرة موسيقى، فهو سمِّيع أيضا، منحاز للغناء والموسيقى العظيمة، ومنحاز إلى حد التمسك بمدرسة التلاوة المصرية، حيث إن قراءة القرآن فن يضاعف من شاعرية الإيمان.


فى كتابه «عن سيرة الناس الحلوة»، يبدأ إبراهيم داود بمقدمة مباشرة عن هدف كتابه، عن «نوع من الناس يعبرون عن الناس الحقيقيين، عن نجوم مدارس مصرية فى فنون لا يمكن لأحد أن ينافسها أو يزيحها، فى مدرسة التلاوة المصرية أو الدراما التليفزيونية، والسينما والمسرح، والأدب، والموسيقى وتلاوة القرآن، يكتب عن «مبدعين» من نسيج المجتمع، يعيشون فى المدينة والريف وفى المدن الساحلية والصحراء، يشعرون بأن على عاتقهم مسؤولية كبيرة، وهم من يعتبرهم إبراهيم داود الكنز الكبير الذى ندخره لصناعة التاريخ، الموهبون الذين سبقونا وعلمونا وصنعوا لنا هيبة بإبداعهم، بل إن إبراهيم داود وهو يكتب عن هؤلاء الذين يصنعون الحياة الثقافية، ينبه إلى ما يشبه حيلة لإبعاد سيرة هؤلاء وإبداعاتهم عن الأجيال والناس.


وفى رسالة للمبدعين ولمن يشعرون بالقنوط أو بعض اليأس من غياب الانعكاس لإبداعهم، يصطحب إبراهيم داود مقولة نجيب محفوظ لفؤاد دوارة، فى حوار عن سر استمراره فى الكتابة بلا يأس: «كنت أكتب وأكتب لا على أمل أن ألفت النظر إلى كتاباتى ذات يوم، بل كنت أكتب وأنا معتقد أنى سأظل على هذه الحال دائما، أتعرف عناد الثيران؟ إنه خير وصف للحالة النفسية التى كنت أعمل بتأثيرها».


ويبذل إبراهيم داود جهده ليقدم تلخيصا لرسائل حياة هؤلاء، وهو يفعل ذلك بمحبة ودأب وإخلاص، حريصا على أن يضع أعمالهم تحت الضوء وإبداعاتهم تحت طلب القارئ، الذى لا شك سوف يحبهم ويشعر مع كل واحد معهم بالألفة، يبدأ إبراهيم كتابه بفصل عن من يسميه «سيد القراء وإمام المنشدين»، وهو الشيخ على محمود، المؤسس العظيم، الكفيف الذى أخذ بيد نجوم فن التلاوة على رأسهم العظيم محمد رفعت، وتتلمذ على يديه كبار الموسيقيين والمغنين أمثال محمد عبدالوهاب، وزكريا أحمد، وفريد الأطرش، وأسمهان، وغيرهم، الشيخ على محمود «1878 - 1946» هو صوت مصر الناصع الحنون، صوت يجذبك من قلبك وهو يتلو آيات الذكر الحكيم، ويخطفك وهو يوشح ويبتهل، تشعر تجاه صوته بعاطفة عريقة، ِعاطفة تستدعى عطور الماضى المعتقة، ومشاعر التدين الخام الذى لم تلوثه آليات السوق وألاعيب السياسيين، وعن الناقد والمفكر الراحل الكبير عبدالقادر القط، والناقد الكبير شكرى عياد، وعن المفكر الكبير سلامة موسى.


وبمحبة يكتب عن المؤرخ والصحفى والساخر صلاح عيسى،  «ليس فقط لأنه كاتب كبير ولا لأنه مؤرخ نادر ولا جورنالجى صاحب كرامات فى المهنة، ولا كاتب قصة قصيرة خسره الأدب، ولا نقابى نبيل تشهد الجماعة الصحفية على إخلاصه ودأبه، ولا سياسى انحاز للفقراء، ووقف ضد الاستبداد والفكر المتطرف الذى أسس له الإخوان المسلمون، وتصدى للتطبيع مع أعداء أمته، ولكن بالإضافة إلى ما سبق، أنت أمام المصرى فى أجمل صوره، الحالم، المقاتل، الجاد، الدؤوب، البسيط، المظلوم، خفيف الظل، الذى لم يتوقف عن العمل والاشتباك حتى آخر نفس».


وبنفس الروح يكتب إبراهيم داود عن الكاتب الراحل العظيم رجاء النقاش، رجل يرى «أن الثقافة هى جامعة الدول العربية، وليس المبنى المقام على ضفة النيل الشرقية، لان الأدب هو القادر على جمع العالم العربى»، أُطلِقت عليه ألقابٌ كثيرة مثل: المعلم، ومكتشف المواهب، ومطلق النجوم، وصياد اللؤلؤ، والجواهرجى، ومجلى الذهب، وهو إلى جانب ذلك، كان يمتلك صفات شخصية جميلة، ويمتلك ابتسامة رائقة تكسر الحواجز بينه وبين من يلتقيهم، ويعرف أقدار الناس، ولم يشاهد يغتاب أحدا.


وعن سعيد الكفراوى، والموسيقار عبده داغر، وعن الكاتب الكبير الراحل محمد عودة، بنفس الحب الذى يكتب به عن الروائى والصحفى الكبير فتحى غانم، وعن الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى، والشاعر مجدى نجيب، وعن محمود قرنى الأديب والشاعر والناقد، وأيضا عن محمد صالح ونجيب شهاب الدين، وبالطبع عن إبراهيم أصلان وخيرى شلبى، وأنور عبدالملك والكاتب الكبير كامل زهيرى وعن عمار الشريعى وداود عبدالسيد المخرج الكبير.


إبراهيم داود، يكتب عن أشخاص قد يبدو أنهم لا يجمعهم عامل مشترك، لكن الواقع أن كلهم مبدعون كبار، ترك كل منهم أثره، ويرى إبراهيم داود أن هذا العناد هو ما يدفع أشخاصا يشيدون لمصر ذاكرتها بالحكايات والشعر والرسم والفنون الأخرى ولا ينتظرون شيئا نظير ما يقومون به، فى كتابه يحمل إبراهيم داود نفسه عناد الثيران، وهو يرسم لوحات ويعيد بناء صور وقصص وقصائد، عن هؤلاء الذين يقعون فى مكانة الناس الحلوة.


مقال أكرم القصاص

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة