عاد ترامب مرة أخرى لحكم أمريكا، وعدنا نحن للحديث عنه وعن تصرفاته الغريبة المريبة، وقد قلنا من قبل عندما كان يحكم في الفترة الأولى (2017-2021) إن وجوده على رأس الولايات المتحدة الأمريكية أكبر دليل على أن العبث يحكم العالم، وها هو يؤكد ذلك مرة أخرى بقراراته المتطرفة الدالة على أمرين، الأمر الأول أن هذه الرجل في ذهنه صورة معينة للحاكم تنتمي لعصر الحروب الصليبية والعصور الاستعمارية، والأمر الثاني أن هذه الرجل لا يقرأ التاريخ.
قد يبدو أن الأمرين في تناقض عظيم، فكيف يجمع الرجل بين رؤيته لحاكم العصور الوسطى وعدم قراءته للتاريخ في الوقت نفسه، أقول لك إن الصورة التي في ذهنه عن الحاكم هي صورة شعبية استمدها من الأساطير والحكايات الشعبية لكنه لم يطلع بالفعل على مصائر الشخصيات ولم يعرف مآلات الأحداث ولا النهايات المحزنة ولا قدرة الشعوب على تقرير مصيرها، هو فقط أعجبته صورة الحاكم المسيطر الذي يغتصب أرض الناس ويأخذ ممتلكاتهم.
هذه صورة ترامب كما وصلتني من المرة الأولى لحكمه، وها هو يؤكدها مرة أخرى، وللعلم هو ليس عشوائيًا كما يريد أن يقدم نفسه لنا، بل كل خطواته هو يعرف أولها ويختارها بكامل إرادته، ربما لا يعرف خاتمتها، لأنه لا يقرأ التاريخ.
في كلامه الكارثي عن غزة، تجاهل ترامب الشعب الفلسطيني تمامًا، وكأن لا دور لهم في حياتهم، ولا قرار لهم في مصيرهم، وهذا يؤكد ما قلناه بأن عقله استعماري تمامًا، لا يرى في الأرض والناس سوى غنائم يحصل عليها، كما أن عنجهيته في الحديث كاشفة عن مفهومه للسياسة القائم على فرض القرارات على الآخرين اعتمادا على قوة أو إحراج أو استغلال للظروف.
ويحتاج خطاب ترامب إلى كثير من الدراسات وإلى تحليل فعلي للجمل وبنائها وكشف ظروفها وسياقها ومحتواها وقيمها، كي نعرف شخصية الرجل الذي يفتقد دائما إلى المنطقية، ويعتمد على فكرة الشو والإبهار، ومما يتسم به أيضا عدم تتبعه للفكرة، بمعنى أن ترامب من الممكن أن يتحمس لأمر ما ويتخذ قرارا فيه، ثم لا يتابع الأمر، وعندما يقوم أحدهم بتذكيره أو الإشارة للأمر مرة أخرى يستخف ترامب بالأمر ويقلل منه.
أشياء كثيرة تؤكد أن ترامب عاد ليثير كثيرًا من العبث وليؤكد أن الإنسان الذي لا يقرأ التاريخ لا يتعلم شيئا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة