كل من يعرف مصر وقيادتها وقواتها المسلحة، يعرف أنها قادرة على اتخاذ مواقفها بشكل مستقل، وأنها لا تخضع للتهديد أو التلويح، وأن موقفها ضد مخططات التهجير بدأت مبكرا جدا، حين كانت مجرد إشارات وجس نبض، وبالتالى فقد كانت كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ 13 أكتوبر 2023، وما بعدها، وعلى مدار شهور الحرب، واضحة وحاسمة فى مواجهة مخططات كانت قد ظهرت وكأنها تنتظر 7 أكتوبر لتبدأ تنفيذ المخطط، والآن تكشف الأمر، وكان مؤتمر مجرمىّ الحرب ترامب ونتنياهو، مثالا للتفاخر بجرائم على الهواء.
كان الواضح من قبل إسرائيل أنها اتخذت من «7 أكتوبر» ذريعة لشن حرب دمار، هدفها جعل الحياة فى غزة مستحيلة، وعلى مدار شهور الحرب، واجهت مصر حروبا وأكاذيب، من الاحتلال المتطرف، مسنودا من قنوات التمويل الصهيونى فى الخارج، والتى كانت تحارب مصر فى نفس جبهة إسرائيل، والمفارقة أن بعض مواطنينا - بسذاجة أو تبعية - كانوا يرددون مزاعم إسرائيل ويدعمون خطتها، ويدعون مصر لفتح المعابر حتى يخرج الفلسطينيون من غزة، كان الادعاء إنسانيا، بينما الهدف إسرائيليا، وصمدت مصر على كل الجبهات، وشنت حروبها بكل احتراف، لم تتورط فى حرب كانت فخا أطاح بكل من تورط فيها، وكانت فقط تجارة لهؤلاء الذين يبيعون النضال ويتاجرون بالقضايا وما زالوا، وعندما تولى ترامب وطرح مخططاته وأعلن تحالفه مع نتنياهو، تصور أنه يعقد صفقة، يمكن أن تنتهى بالبيع والشراء، لكنه وجد مصر فى المواجهة، ومهما كانت قدرات ترامب أو تلويحاته، فهى لا تصلح، لكونها أولا تمثل جريمة حرب والدعوة لها تستلزم المحاسبة، بجانب أنها لا تنطلق من فهم أو استيعاب للقضية، وخلال الشهور كان موقف مصر واضحا وحاسما مسنودا بالحق، وأيضا بالقوة العاقلة التى صمدت فى مواجهة الكثير من الفخاخ.
ولا ننسى أنه بالتزامن مع تصريحات ترامب عن التهجير، لوحت صحيفة إسرائيلية بتهديد للرئيس عبدالفتاح السيسى، ونشرت «جيروزاليم بوست» صورة الرئيس عبدالفتاح السيسى مع الرئيس الإيرانى السابق إبراهيم رئيسى، وهو تهديد فج بالاغتيال، بجانب تهدبدات وتلويحات من قبل ترامب، تضمنت الكثير من التناقض والجهل بالقضية، وكل هذه التهديدات ذهبت أدراج الرياح على صخرة مصر القادرة دائما على رسم مواقفها، ووضع خطوط حاسمة، وأيضا لم تصنع التهديدات أى خوف لدى الشعب المصرى، الذى لا يخشى التهديد ولا التلويح بعقوبات أو إشارات من مافيا أو عصابات، وهو ما عبر عنه المصريون فى مسيرات وصلت إلى رفح، وأخرى نظمتها تيارات وأحزاب ونقابات رفضا للتهجير، ردا على الاحتلال ودونالد ترامب، وهى تحركات أثارت بعض أنصار «المعارضة على كَبر» ممن يفضلون «اللايك» على الوطن، ويظنون أن بعض «لايكات» من تنظيم إرهابى وأنصاره أو من خلايا ممولة، يمكن أن تمثل مواقف،
والواقع أن مسيرات المصريين وبيانات وخطابات الرئيس السيسى هى تأكيد على أن مسار الدولة الفلسطينية هو الطريق الوحيد للاستقرار والسلام، أما مخططات التهجير فهى جرائم يرفضها المصريون والأردنيون، بل والعالم كله الآن، فرنسا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا وأمريكا اللاتينية وآسيا، والواقع أن الموقف العربى لوزراء الخارجية العرب فى الجامعة العربية، وفى واشنطن، وأيضا الموقف السعودى الحاسم الذى لخصه بيان قوى يرفض التهجير، موقفان يدعمان موقفا أعلنته مصر منذ اللحظات الأولى.
أكد بيان الخارجية المصرية - وقبله بيانات أخرى - أن الحقوق الفلسطينية غير قابلة للتصرف، وحذرت مصر من التهجير واعتبرته «جريمة»، حيث لوح بيان «الخارجية» بأن تداعيات التهجير يمكن أن تثير صراعا لا يتوقف، وأنه كارثة، كان موقفا يعبر عن الواقع وعن موقف لم يتغير منذ اللحظة الأولى، بل إن رد مصر الأخير وموقفها وخطوطها الآن وقبل ذلك مع كل الخطوط الحمراء غربا وشرقا، تقدم ردا واضحا على تساؤلات بعض المنبطحين والدونيين وعمقاء الانبطاح، عن أسباب تحديث الجيش المصرى وتسليحه، ولعل من كانوا يتساءلون على مدار سنوات كانوا يرددون تساؤلات يطرحها الاحتلال الإسرائيلى، وآخرها تساؤل مندوب إسرائيل الدائم فى الأمم المتحدة عن سبب حاجة مصر إلى التسلح رغم غياب التهديدات؟ وقد رد السفير أسامة عبدالخالق، مندوب مصر الدائم فى الأمم المتحدة، خلال تصريحات متلفزة، قائلًا: «إن الإجابة واضحة وبسيطة ومباشرة، وهى أن الدول القوية والكبرى مثل مصر تلزمها جيوش قوية وقادرة على الدفاع عن الأمن القومى بأبعاده الشاملة بتسليح كافٍ ومتنوع»، وبالتالى نحن أمام دولة كبيرة تحظى بنفوذ وثقة وتمتلك جيشا قويا رشيدا يحمى أمنها القومى، بتوازن وردع غير قابل للتصرف، وهو رد ليس فقط على مندوب إسرائيل، وإنما على كل السادة العمقاء الذين كانوا يرددون مزاعم وتساؤلات الاحتلال بلا فهم، وهؤلاء منهم من يدعم مخططات الصهيونية، ومن يتمول من الاحتلال، أو يعيش معارضة متأخرة تقوم على السطحية، أو يعانى من دونية ومزايدة، ويحتاج إلى علاج.

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة