بعد أكثر من 60 عامًا، في قيادة الطائفة الإسماعيلية النزارية - نسبة إلى الأمير نزار بن المستنصر - رحل الأمير كريم الحسيني المعروف بالأغا خان الرابع، وهو الإمام التاسع والأربعين بين أئمة الطائفة الإسماعيلية، إذ يعتقد أن الإمام الأول، هو الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
ويعد الأغا خان الرابع، الذي رحل عن عالمنا يوم الثلاثاء الماضي في لشبونة عن عمر يناهز 88 عامًا، بعدما ظل أكثر من 6 عقود على رأس الطائفة التي يتبعها أكثر من 15 مليون شخص حول العالم، وتتخذ من مصر مركزا روحيًا لها، شخصية أثارت الاهتمام على مدار حياته، ليس فقط لكونه الزعيم الروحي للطائفة الإسماعيلية، بل أيضًا لدوره في العمل التنموي والخيري، ومشاركته في إحياء التراث الإسلامي، خاصة في مصر التي ارتبطت بها الطائفة لقرون طويلة.
بعد وفاة الآغا خان الرابع، تم تعيين ابنه، الأمير رحيم الحسيني، كالإمام الخمسين للطائفة الإسماعيلية، وفقًا لوصية والده.
من المقرر أن يُدفن الأغا خان في مدينة أسوان بمصر يوم الأحد المقبل، بعد إقامة مراسم جنائزية في المركز الإسماعيلي بلشبونة غدًا السبت، بحضور زعماء الطائفة الإسماعيلية وشخصيات بارزة، وجاء اختيار أسوان كمكان للدفن يعود إلى ارتباط عائلة الأغا خان بالمدينة، فالآغا خان الثالث، جد الراحل، كان يعاني من الروماتيزم، ونُصح بالاستشفاء في رمال أسوان الدافئة، بعد تحسن حالته، قرر بناء ضريح هناك، حيث دُفن بعد وفاته عام 1957، هذا الارتباط العائلي بأسوان جعلها المكان المفضل لدفن الأغا خان الرابع، تكريمًا لإرث العائلة وعلاقتها بالمدينة.
نسب إلى آل البيت
ولد كريم الحسيني، المعروف بـ"الأغا خان الرابع"، في 13 ديسمبر 1936، في مدينة جنيف السويسرية، وهو الابن الأكبر للأمير علي خان من زوجته الأولى جوان يارد بولر، ويحمل الحسيني الجنسية البريطانية والبرتغالية، كما أنه مُنح عام 2010 الجنسية الفخرية الكندية.
ويعتقد أصحاب الطائفة النزارية، أن نسب الأغا خان يعود إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) عبر ابنته السيدة فاطمة الزهراء وابن عم النبي وصهره، الإمام علي، رابع الخلفاء الراشدين وأول الأئمة الشيعة.
صاحب لقب الأغا خان الرابع
ولم يحمل لقب "أغا خان" سوى 3 قبل الحسيني، وهو لقب منحه ملك بلاد فارس لعائلته في ثلاثينيات القرن الـ19، وكان أول من حمل ذلك اللقب، حسن علي شاه حاكم إقليم كرمان في إيران، وحمل لقب "الآغا خان الأول"، وحاول إشعال ثورة ضد الشاه القاجاري لكنه فشلت، فهرب إلى الهند، وهناك اعترف به الإنجليز إماما للطائفة، فعُرف بمؤسس "الأسرة الآغاخانية"، والإمام الـ46 في ترتيب الأئمة الإسماعيلية في نظر الطائفة الآغاخانية.
علاقته بـ مصر منذ البداية
ارتبطت طائفة الإسماعيلية النزارية بمصر منذ نشأتها، إذ أسسها الإمام الأول حسن الصباح ولاءً لنزار الابن الأكبر للمستنصر بالله الخليفة الفاطمي حاكم مصر وقتها، والذي أقصاه شقيقه الأصغر المستعلي بالله عن الحكم، بعد وفاة والدهما، عام 487 هجريًا - 1094 ميلاديًا لذلك اسموا أنفسهم بالطائفة الإسماعيلية النزارية، نسبة إلى نزار بن المستنصر بالله.
إلى جانب العلاقة التاريخية والروحية مع القاهرة التي بناها الخليفة الفاطمي الرابع والإمام الإسماعيلي الرابع عشر المُعز لدين الله الفاطمي عام 969 ميلادية. وزاد هذا الارتباط، في الخمسينات، بعد اختيار الإمام الثامن والأربعون للطائفة، محمد شاه الحسيني، لمحافظة أسوان، ليعيش فيها فترة للعلاج من الروماتيزم، وفيها تزوج الفرنسية، البيجوم أم حبيبة، وبنى مقبرته في الجبل الغربي على الطراز الفاطمي، ودفن فيها هو وزوجته، وتحولت إلى ضريح يرتاده أتباع الطائفة في ذكراه، قبل أن تتفق الطائفة مع الحكومة المصرية على إغلاقه.
واشتهر الآغا خان الرابع الزعيم الروحي للطائفة الإسماعيلية النزارية، بأعماله الخيرية والتنموية من خلال شبكة الآغا خان للتنمية، التي أسسها عام 1967، وتوظف حاليًا 80 ألف شخص في مشاريع تشمل بناء المدارس والمستشفيات وتوفير الكهرباء في مناطق فقيرة بأفريقيا وآسيا، يُذكر أن الآغا خان الرابع كان شغوفًا بسباقات الخيول الأصيلة، وحققت خيوله نجاحات كبيرة في أهم السباقات الدولية.
المشاركة في تطوير القاهرة التاريخية
تجلى وجود الطائفة النزارية في مصر عبر محافظتي القاهرة وأسوان، عبر أعمال جمعية "الآغا خان" للتنمية، وتأتي حديقة الأزهر في مُقدمة المشروعات التي نفذتها الطائفة في مصر عبر ذراعها غير الربحي "صندوق الآغا خان للثقافة".
كما امتدت أعمال الطائفة إلى التعاون مع وزارة الآثار في تمويل تطوير عدة مساجد مثل ترميم مسجد الأمير "آق سنقر" أو ما يُطلق عليه الجامع الأزرق، الذي أغلق عقب تضرره من زلزال القاهرة عام 1992، كما مولت الطائفة أيضًا تطوير مجمع خاير بيك في باب الوزير بالدرب الأحمر، وشملت أعمال المؤسسة ترميم جزء من السور الأيوبي الشرقي لمدينة القاهرة، بتكلفة بلغت نحو 20 مليون جنيه.
وفي العام 2018، شارك النزاريون في تنفيذ مسار سياحي يربط بين مجموعة من المباني الأثرية في منطقة الدرب الأحمر، بالشراكة مع الحكومة المصرية وصندوق الاتحاد الأوروبي، وافتتح ذلك المسار السياحي رسميًا في فبراير 2023، وقال أمين المجلس الأعلي للآثار مصطفى وزيري، وقت افتتاحه، إنه يقع على امتداد 2 كيلو متر ويشمل 12 موقعًا أثريًا.
وفي محافظة أسوان تنشط إحدى الجمعيات التنموية التابعة لشبكة "الآغا خان"، وهي باسم زوجة إمام الطائفة الراحل الفرنسية الأصل إيفيت لا بدوس التي لُقبت بـ"البيجوم أم حبيبة"، وهى مؤسسة غير ربحية تأسست عام 1991 تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعي. وتعمل في مجالات الزراعة والأمن الغذائي، والإدماج الاقتصادي، وتمكين المرأة داخل محافظة أسوان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة